تسود في الشارع السوري حالة من الترقب والخوف من الآثار الاقتصادية المحتملة مع بدء تطبيق قانون العقوبات الأميركية (قيصر)، ودخوله حيز التنفيذ في يونيو/حزيران الجاري، في وقت تشهد فيه الليرة السورية انهيارا غير مسبوق أمام الدولار الأميركي، حيث يقترب سعر صرف الدولار الواحد من ألفي ليرة سورية.
ويتزامن تطبيق "عقوبات قيصر" على النظام السوري وداعميه مع صراع اقتصادي داخل أسرة الأسد طفا على السطح للمرة الأولى منذ عقود، طرفاه رجل الأعمال السوري رامي مخلوف الذي يحكم قبضته على أبرز المشاريع الاقتصادية في سوريا، والنظام السوري الذي يشاع أنه يسعى لتقليم أظافر مخلوف وفتح الملفات القديمة، مع حالة العزلة والضغوط السياسية التي يعاني منها الأسد ونظامه.
ورغم أن عقوبات قيصر تستهدف في مضمونها النظام السوري، فإن الأهالي بمناطق سيطرة النظام والمعارضة في سوريا يخشون من أن تعمق العقوبات تردي حالتهم المعيشية، وتزيد المعاناة اليومية من أجل تأمين قوت يومهم، في بلد يعاني أصلا من انهيار اقتصادي وبطالة وفقر فرضتها الحرب.
ومع المخاوف يحدو الأمل المعارضة بأن تشكل هذه العقوبات ضربة موجعة للنظام السوري وأركانه، تدفعه إلى حافة الانهيار والرضوخ للقيام بتغيير حقيقي في سوريا ينهي حقبة من مسيرة دامية للثورة السورية، حيث دفع آلاف المدنيين حياتهم ثمنا لها داخل المعتقلات، قبل أن يسرب صورهم العسكري السوري المنشق الملقب "بقيصر" إلى الرأي العام، ويدفع واشنطن لسن تلك العقوبات.
الدولار يقترب من ألفي ليرة سورية في مناطق المعارضة والنظام بسوريا (الجزيرة)
مناطق المعارضة
وفي ريف حلب الشمالي، الخاضع لسيطرة المعارضة السورية؛ تبدو حركة الأسواق شبه متوقفة بعد نهاية موسم رمضان وعيد الفطر، ويقول التجار للجزيرة نت إن السوق شهد انتعاشا ضئيلا في نهاية رمضان.
ويعتقد السكان والتجار في ريف حلب أن القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار مرتبطان بشكل حتمي بقيمة الدولار الأميركي، الذي سجل سعر صرفه في ريف حلب 1910 ليرات سورية للبيع، و1940 للشراء.
وحول عقوبات قيصر، يشير الأهالي وتجار في ريف حلب إلى أمل جديد في تحقيق سقوط النظام السوري بعد تغير موازين القوى العسكرية في سوريا لصالح النظام وداعميه.
ويقول صبحي بكور -وهو تاجر مواد غذائية في مدينة أعزاز بريف حلب (شمالي سوريا)- إن انهيار العملة السورية أدى إلى جمود كبير في حركة الأسواق منذ نهاية العيد، فمعظم السكان الذين يمتلكون الدولار يخشون صرفه خوفا من انهيار كبير قادم لقيمة الليرة.
ويضيف بكور -في حديثه للجزيرة نت- أن المدنيين المتعاملين بالعملة السورية يدخلون متجره وتنتابهم حالة من الصدمة والذهول من ارتفاع الأسعار، ويأمل أن تسهم العقوبات في سقوط النظام وتحقيق العدالة للمعتقلين، معبرا في الوقت ذاته عن خشيته من الأضرار التي تقع على السوق والتجارة في ريف حلب.
ويرى عبد القادر محمد -وهو من أهالي ريف حلب- أن معظم الأهالي يحلمون بالتخلص من النظام السوري وتوقف الحرب، لكن المدنيين البسطاء يتعاملون بالليرة السورية في عمليات البيع والشراء، ومع كل ارتفاع في قيمة الدولار ترتفع الأسعار وتزداد المعاناة.
ويضيف عبد القادر للجزيرة نت أن تحويلات السوريين في المهجر لأهاليهم وبعض جهود المنظمات الإغاثية بمناطق المعارضة تسهم بعض الشيء في تعديل الحال الاقتصادية للمدنيين؛ فكثير من السوريين انتقلوا إلى أوروبا، ويرسلون المال لذويهم في هذه الظروف العصيبة.
الأسواق في ريف حلب تشهد جمودا منذ نهاية عيد الفطر (الجزيرة)
مناطق النظام
أما في مناطق سيطرة النظام، فتبدو الحال أكثر سوءا مع منع النظام التعامل بالدولار، والملاحقات الأمنية للتجار والصيارفة، حيث يعمد النظام إلى خوض حرب ضد الدولار لا تظهر فيها سوى خسائر متلاحقة على اقتصاده، في حين يدفع ضريبة الانهيار المدنيون حتى من الموظفين الحكوميين الذين لا تعادل قيمة رواتبهم الشهرية أكثر من أربعين دولارا في أحسن الأحوال.
معتز الحلبي (اسم مستعار) موظف في مديرية التربية بحلب يقول للجزيرة نت إن قيمة راتبه الشهري بالليرة السورية لا تتجاوز اليوم ما قيمته 35 دولارا، مشيرا إلى أن راتبه لا يكفيه أكثر من أسبوع واحد فقط بعد انهيار قيمة الليرة.
ويضيف للجزيرة نت أن حاله حال آلاف السوريين بمناطق النظام ممن يعتمدون على وظائفهم والراتب الشهري، مرجحا أن تنحدر قيمة الليرة أكثر مع بدء قانون قيصر.
ويكشف المتابعون للشأن الاقتصادي الآثار بعيدة المدى لهذه العقوبات، والأطراف المتحكمة في صنع القرار بسوريا.
ويعتقد المحلل الاقتصادي السوري يونس كريم أن النظام السوري امتص قانون قيصر وتأقلم معه، لكن الظروف التي ترافقت مع العقوبات تجعلها شديدة، وهي الخلاف بين النظام السوري ورامي مخلوف، وجائحة كورونا، وتهديد النظام لدول الجوار بالوباء، بسبب عدم السيطرة على الحدود. وأضاف أن "تأثير القانون على الاقتصاد لن يكون بالذي يتم تداوله إعلاميا".
ويرى كريم أن قانون قيصر يأتي مكملا لعقوبات جديدة تم طرحها على النظام منذ 2011، واصفا إياها بأنها "عقوبات ذكية تشمل بعض الشخصيات المحسوبة على النظام، وتمثل ضغوطا على حلفائه لدفعه للحل السياسي، وتحجم إمكانات الحلفاء في سوريا".
ويشير كريم إلى أن القانون لن يكون له الأثر الذي يأمله الشعب السوري للخلاص من النظام السوري، فهو ورقة ابتزاز ضد روسيا وإيران للحد الأدنى، ومنع تعويم النظام والعودة إلى الحاضنة الدولية بعد سيطرة النظام على مساحات واسعة من سوريا.
وحول انعكاس القانون على المدنيين في سوريا، رأى كريم أنه لن يؤثر على أعمال السوريين كونها أعمالا بسيطة، داعيا السكان في سوريا للمحافظة على الليرة السورية والدولار حتى تنجلي المعركة بين الأسد ومخلوف.