قال موقع "بلومبيرغ" إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، "قد يعترف" بالمسؤولية عن الوضع الاقتصادي الذي لم تواجه السعودية مثله في جيل، خاصة أن قراره المتهور بالمواجهة مع روسيا بشأن أسعار النفط والذي ترافق مع انتشار فيروس كورونا كان السبب بالأزمة الحالية.
وأشار الموقع في تقرير للكاتب بوبي غوش، ترجمته "عربي21"، إلى أنه ورغم العدد القليل من الوفيات بسبب كورونا، إلا أن الدمار الإقتصادي الجوهري سيجبر ولي العهد على النظر في مشاريعه المتعلقة بتحقيق "رؤية 2030"، والخطة "الطموحة" للإصلاح الاقتصادي والإجتماعي التي تم التفكير بها وسط الآلام التي نتجت عن انخفاض أسعار النفط.
وقال الموقع إنه بعد أربعة أعوام لا تزال نسبة 60% من موارد الدولة تأتي من النفط الذي لم يعد يسهم الكثير في الموارد بسبب تراجع أسعاره. وأعلن ولي العهد عن إجراءات تقشف وزاد من ضريبة القيمة المضافة، وهي إجراءات ستؤدي بالتأكيد إلى تخيض الاستهلاك وتبطئ من الاستثمار في القطاع الخاص. وكل هذا سيزيد من إحباط العاطلين عن العمل في السعودية وغالبيتهم من النساء اللاتي وعدن بمستقبل زاهر ضمن خطة إعادة هيكلة الإقتصاد السعودي.
ولفت إلى أن الوقائع الصعبة التي تواجه الحاكم الفعلي للسعودية، الذي كان غير معروف قبل خمس سنوات، برزت عندما أعطاه والده الملك السلطة الحقيقة، وهي جزء من مشاكل أخرى ستزيد من التحديات التي تواجه الدولة، التي تعتمد في مواردها على النفط، في ظل تزايد أعداد السكان وتقلص الثروة.
ورأى الكاتب أن فرص محمد بن سلمان في قيادة بلد مزدهر ومستقر، تعتمد على قدرته إعادة تصويب الأخطاء التي ارتكبها وساهم في خلقها. ولكن ولي العهد لم يظهر اهتماما بتغيير طرقه العنيدة والمتهورة. إلا أن الأشهر القليلة الماضية قدمت دروسا جيدة له سيكون من مصلحته تعلمها.
ولفت إلى أن أهم درس، هو أنه لا يمكنه الاعتماد على العلاقات الأمريكية السعودية كأمر واقع. وذكر الكاتب هنا بمكالمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نيسان/إبريل والتي أجبرته على إنهاء حرب النفط مع روسيا. وكشفت المكالمة عن محدودية ولي العهد في التقارب مع الرئيس ترامب وبيته الأبيض، وتجاهل عدوانية الكونغرس له.
وكان سحب بطاريات الباتريوت بعد شهرين تذكيرا بهذا الوضع وجاء بعد سبعة أشهر من الهجمات الصاروخية وبالطائرات المسيرة على المنشآت النفطية السعودية حيث وافق ولي العهد على تخفيض انتاج النفط إلى النصف.
وقال الموقع إن سحب الأسلحة ومنظومة الدفاع الأمريكية، جاء في وقت تأمل فيه إيران شراء أسلحة متقدمة من باعة مستعدين لتوفيرها. وربما فكر محمد بن سلمان بحكمة قراره وتوقيت حربه مع روسيا التي كانت تستطيع منع بيع أسلحة متقدمة لجارته العدوة إيران.
وشدد الكاتب على أن خسارة الدعم الأمريكي غير المحدود، يعني حاجة ولي العهد لأصدقاء قرب حدود بلاده. فمن بين الثماني دول التي تحيط به، علاقاته مع كل من قطر واليمن سيئة. أما العراق وعمان فهي باردة. وإصلاح العلاقات والأخطاء التي ارتكبها مع الجيران بيده إن أراد.
فالحصار الذي فرضه على قطر ويعتبر الخطأ الفادح في السياسة الخارجية التي تبناها ويمكن رفعه بسهولة. ويمكن لولي العهد التغلب على معارضة ولي عهد أبو ظبي لهذه الخطوة، فعلاقاتهما الخاصة لم تمنع أبو ظبي من ترك الساحة اليمنية التي شاركت فيها منذ البداية. وفي موضوع عمان التي تولى فيها الحكم سلطان جديد، فهناك فرصة لعلاقات دافئة إن رعب ولي العهد السعودي.
وتظل العلاقة مع اليمن والعراق مشحونة بحسب الكاتب، ليس لدور إيران في البلدين بل لأن وباء فيروس كورونا فتح المجال أمام وقف إطلاق النار في اليمن ولأن رئيس الوزراء العراقي الجديد ليس دمية في يد طهران.
وبعيدا عن الجيران في الجزيرة العربية فعلاقات السعودية مع الدول النامية مرتبطة بما تقدمه لها من مساعدات وأموال انخفضت الآن بسبب تراجع الموارد النفطية. في وقت لا تشتري فيه هيئة الاستثمار العام وعملياتها في الخارج الكثير من حسن النية أو القوة الناعمة التي تأتي معها.
أما في العالم المتقدم فسيجد محمد بن سلمان صعوبة في التغلب على أشباح جمال خاشقجي، صحافي "واشنطن بوست". ولم ينس العالم حتى وسط الوباء الموضوع، فعندما أعلنت هيئة الإستثمار العام عن نيتها شراء ناد بريطاني انطلقت موجة شجب ونقد للعملية وكذا عندما أعلن أبناء خاشقجي عفوهم عن قتلة والدهم.
وقال إن الدرس الذي على ولي العهد تعلمه في عصر منصات التواصل الإجتماعي، أن أي محاولة لتبرئة المقربين من محمد بن سلمان عادة ما تترك الأثر العكسي. وربما لم يكن هذا النقد مهما داخل السعودية التي يذعن فيها الإعلام لمواقف الحكومة، ويتم إسكات أي صوت ناقد.
وأضاف: "لكن ولي العهد سيواجه مشكلة كبرى للحفاظ على شعبيته بين السعوديين أنفسهم، في وقت يفرض فيه عليهم أقسى درجات التقشف. وقد يتعامل السكان الذين طلب منهم شد الأحزمة بسخط، مع بذخ حكامهم خاصة لوحة اشتراها الأمير بـ 450 مليون دولار تعود للفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي واليخت العملاق والقصر في فرنسا".
وقد يتساءل رجال الأعمال الذين يواجهون تحديات للحفاظ على أعمالهم، وسط ضرائب عالية وتراجع استهلاكي عن السبب الذي يدفع هيئة الإستثمار العام، لشراء نادي بريطاني بـ 300 مليون جنيه استرليني، بدلا من ضخها في القطاع الخاص.
ولن يكون محمد بن سلمان قادرا على تعبئة المجتمع المدني، الذي سجن معظم ناشطيه وقادته بالإضافة للقيود التي وضعها على وسائل التواصل الإجتماعي. وعادة ما ينجم عن الظروف الإقتصادية سخط في المراكز العليا ويجرئ النقاد في الخارج.
ويحاول البرلمانيون الأوروبيون، مثلا الضغط على السلطات السعودية الإفراج عن سلمان بن عبد العزيز ووالده اللذين سجنا بدون توجيه تهم لهما قبل عامين. فيما بدأت شركات ضغط بواشنطن العمل من أجل تأمين الإفراج عنهما.
وهناك جهود هادئة نيابة عن سعد الجبري، مسؤول الاستخبارات السابق الذي يعيش بالمنفى منذ عام 2017. وقامت السلطات باعتقال ولدين من أولاده للضغط عليه كي يعود إلى السعودية.
ويحظى الجبري باحترام مسؤولي الإستخبارات الغربيين، خاصة في واشنطن. وفي ظل محمد بن سلمان رد الرياض بشدة على هذه المطالب. ففي صيف عام 2018 عندما طلبت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند الإفراج عن الناشطات السعوديات، فردت الرياض بطرد السفير الكندي ووقف التعامل التجاري.
وفي ظل الظروف الإقتصادية الحالية لن يكون قادرا على فرض قيود تجارية. وفي الوقت الذي لن يقود فيه السخط العام بسبب الظروف الإقتصادية إلى ثورة في البلاد، إلا أن استمراره قد يؤثر على شعبيته في البلاد. وأن يحدث كل هذا في 2020 أمر مزعج لبن سلمان الذي كان يأمل أن يكون هذا العام هو عام الإنتصار الذي ستظل ذروته باجتماع قادة مجموعة دول العشرين في الرياض بشهر تشرين الثاني/نوفمبر.
ومع أن الملك سلمان سيكون اسميا المستضيف، إلا أن العرض سيكون عرض ولي عهده. ففي قمة أوساكا العام الماضي مدحه دونالد ترامب ووصفه بالقائد الباهر. ورغم توتر العلاقات بين ترامب والأمير إلا ان محمد بن سلمان يأمل أن يقوم ترامب بإنقاذه كما فعل في أوساكا. ولكن الأحاديث لن تكون عن جمال خاشقجي بل عن نتائج الإنتخابات الأمريكية مما سيجنب الأمير الكثير من الإحراج.