تهدف العروض الإسرائيلية المتلاحقة من الحكم الذاتي إلى شبه الدولة وسواهما، إلى تحويل التجمعات الفلسطينية إلى مجالس بلدية موسعة، محدودة الصلاحيات، دون منحها اسم دولة، فـ"إسرائيل" مصرة ألا تكون هناك دولة غرب نهر الأردن سواها.
كما أن ما يصدر عن السلطة الفلسطينية من تصريحات إعلامية قد لا تمنع الضم، ولن تقيم دولة، ورغم رفضها الأولي للمقترحات الإسرائيلية، لكنها قد تجد طريقها للتنفيذ على الأرض تدريجيًا، ثم يقبلها الفلسطينيون اضطراريًّا، ولا يبقى من السلطة سوى جهازها الإداري لتسيير شؤونهم المعيشية.
بالتزامن مع الكشف الفلسطيني عن المقترحات الإسرائيلية لإنهاء الصراع، بديلًا عن حل الدولتين، فقد كشف المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في آخر استطلاع له عن مارس 2020، أن 36% فقط من الفلسطينيين يؤيدون حل الدولتين، وعارضه 57%، وتعتقد 61% منهم أن حل الدولتين لم يعد عمليًا بسبب التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وقال 76% إن فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة بجانب "إسرائيل" خلال السنوات الخمس القادمة ضئيلة أو ضئيلة جدًّا.
هذه المقترحات الإسرائيلية المرفوضة فلسطينيًّا، قد تصبح أمرًا واقعًا إن بقيت الظروف الفلسطينية على حالها، من حيث المراوحة في المكان، واستمرار المراهنة على العودة للمفاوضات مع "إسرائيل"، الأمر الذي يتطلب أن يكون الموقف الفلسطيني أكثر حسمًا، برفض كل هذه المقترحات، وعدم التعاطي معها، وأن يكون مستندًا إلى حالة الإجماع الوطني، ورؤية استراتيجية تواجه المناورات الإسرائيلية الساعية لخداع الرأي العام الدولي، واتهام الفلسطينيين بأنهم دائمو الرفض للعروض المقدمة إليهم.
مرة أخرى فإن هذه المقترحات الإسرائيلية قد تجد طريقها للتطبيق في ظل موازين القوى السائدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، رغم أن موافقة الفلسطينيين ستكون شرطًا أساسيًّا لتحقيق هذه المشاريع على الأرض، مع العلم أننا قد لا نعثر على زعيم فلسطيني يوافق عليها، لكن الإسرائيليين قد يسعون لتحقيق تطلعاتهم السياسية من خلال إعادة انتشار قواتهم العسكرية من جانب واحد ببعض مناطق الضفة الغربية.
إن رفض الفلسطينيين للمقترحات الإسرائيلية التي تستثني حل الدولتين، لا يغفل حقيقة قاسية ماثلة أمام نواظرهم، ومفادها أن واقعهم القائم اليوم يعدُّ حكمًا ذاتيًّا ضيقًا جدًّا، بعد أن كان حكمًا ذاتيًّا موسعًا إبان مرحلة أوسلو بين 1993-2000، لكن الأمر تغير بعد الانتفاضة الثانية وبدء عهد رئيس السلطة محمود عباس 2000-2005، حيث تجاوز الإسرائيليون اتفاق أوسلو، وبات الحكم الذاتي أقل اتساعًا من ذي قبل.
اليوم وصلنا في الحديث عن أواخر حقبة عباس، وما بعده، ولم يعد للفلسطينيين من صلاحيات سوى أمنهم الداخلي الخاص بالشرطة المدنية، وهو الواقع الذي تسعى "إسرائيل" لتأبيده حتى إشعار آخر.