عُثر على أكثر من خمسين جثة ملقاة في مستودع بالعاصمة طرابلس خلف مقر كتيبة خميس التي كان يتزعمها أحد أبناء الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي وهي وحدة عسكرية كانت تثير الرعب في قلوب الليبيين. وقال الناجون:" إنهم مدنيون تعرضوا لمذبحة على يد قوات القذافي في وقت سابق من الأسبوع الماضي". إنها الرائحة التي تخبرك مسبقا أنك مقبل على مشاهدة فظائع. لقد أحاطت بنا رائحة الموت المنبعثة من المستودع والمثيرة للغثيان من كل جانب وكأنها تجسدت في شيء مادي. وشاهدنا داخل المستودع بقايا أكثر من 50 جثة متفحمة، بعضها كانت عبارة عن هياكل عظمية، قتل أصحابها يوم الثلاثاء الماضي عندما بدأ النظام يتداعى. كان هناك مزيد من الجثث ملقاة على الأرضية في الخارج. وكان الحبل لا يزال مربوطاً إلى ساقي أحد الضحايا. لم نتمكن من التأكد من عدد المعتقلين الذين قتلوا في المجمع لأن السكان المحليين أخرجوا يوم السبت الماضي بعض الجثث بهدف دفنها. [title]شهادة ناج من الموت[/title] كان "عبد الله" معتقلاً برفقة ثلاثة من أبنائه لكنه يخشى أن يكونوا قد قتلوا...... كان رجل نحيل مسن يدعى "فتح الله عبد الله" يبكي أمام مدخل المستودع. لقد أخبرنا أنه حاول الهروب من المجزرة برفقة أبنائه الثلاثة، (إبراهيم وعبد الحكيم وعلي) الذين كانوا معتقلين في الداخل معه لكن دون جدوى. وكان الأربعة اعتقلوا في وسط شهر أغسطس/آب في مدينة زليتن. قال عبد الله وهو يشير إلى ركن تناثرت فيه بقايا جماجم بشرية :"كنت هناك... كان أبنائي إلى جانبي. كان المكان يغص بالمعتقلين وكأنهم حيوانات." وأضاف قائلاً :"كنا محشورين فوق بعضنا البعض...لم يكن هناك مكان لوضع رجلك على الأرض." ومضى قائلاً: " إن نحو 150 مدنياً من مختلف أجزاء ليبيا كانوا محتجرين هناك، مضيفا أن جنوداً ومرتزقة كانوا يتولون حراستهم. وأدلى ناج آخر بتقديرات مماثلة لما حصل. ظل السجناء يطلبون الماء ووعد الحرس بإحضاره عند الغروب لكنهم أحضروا بدلاً من ذلك الرشاشات. وتابع فتح الله قائلاً :"بدأوا بإطلاق النار ثم ألقوا علينا ثلاث قنابل يدوية. توقفوا وعادوا أدراجهم ثم عاودوا إطلاق النار." عندما فتح سجين آخر باب المستودع، اختبأ فتح الله تحت شاحنة كانت مركونة هناك وهو يستمع إلى فصول المجزرة التي لم يستطع إيقافها. وقال فتح الله إنهم :"استمروا في إطلاق النار حتى الساعة الثانية أو الثالثة صباحاً. كل من بقي على قيد الحياة قتلوه." فتح الله متأكد من أن اثنين من أبنائه قتلا في المستودع لكن يراوده أمل بأن ابنه الثالث، علي، نجا من المجزرة لكن يبدو أن حظوظ نجاته ضئيلة. وخارج المستودع صافح فتح الله ناجياً آخر وهو "علي حمودة"، والكآبة تعلو محياه. ولم يصب علي بأي أذى لكن ابن عمه كان من بين القتلى. وقال الرجلان:" إن بعض جنود القذافي كانوا من ضمن من قتلوا في المستودع. لقد سجنوا هناك ربما بسبب عدم إطاعتهم للأوامر". وقال علي "كان الجنود يفترشون بطانيات ويجلسون في الوسط. لقد أخذوهم إلى خارج المستودع ثم سمعنا أصوات إطلاق النار. ربما أعدموهم وبعد ذلك بدأوا بإطلاق النار علينا." [title]زوار[/title] أخذ الزوار في الوصول إلى المجمع بأعداد صغيرة صباح الأحد، لقد كانوا خليطاً من السكان المحليين والثوار المسلحين وقد استولى عليهم الغضب بسبب ما حدث داخل المستودع. بعضهم أغلق فاه أو أنفه حتى لا يشم الروائح النتنة المنبعثة منه. أحدهم سقط مغشياً عليه من شدة الحزن وسارع إليه آخرون لمساعدته على الوقوف ومغادرة المكان. وعلمنا الآن أن هذا المستودع هو المكان الذي احتجز فيه فريق بي بي سي في مارس/آذار الماضي. وتعرض فريق بي بي سي خلال احتجازه إلى الضرب وعمليات إعدام وهمية. وقد عاد الأحد إلى المستودع، كريس كوب سميث وهو أحد أعضاء فريق بي بي سي الذي كان محتجزا هناك. قال سميث: "لقد قضينا معظم الليل في تلك الزنزانة. لا بد وأنني كنت أشعر بمرور كل ثانية. بالتأكيد سمعنا المعتقلين وهم يضربون وينقلون عبر مختلف أرجاء المجمع." وتابع قائلاً:"ربما إذا كنّا موجودين هناك عند نهاية النزاع، كانت العواقب ستكون مختلفة بالنسبة إلينا." وقال سكان محليون:" إن المناطق المحيطة بمعسكر خميس كانت معروفة بأنها أماكن للإعدام والقتل". وأضاف هؤلاء "قيل لنا إن بقايا بشرية عثر عليها في أماكن مختلفة وأزيلت من هناك بهدف دفنها." [title]إضرام النيران[/title] وعندما زرنا المكان الذي أشار إليه السكان المحليون خلف أحد المساجد هناك، شاهدنا علامات حروق طرية على الأرض حيث أضرمت النيران في الجثث. وعندما بدأ السكان في استعادة السيطرة على الأحياء التي كانت تابعة لكتائب القذافي واستيلاء المعارضة على المجمعات التي كانت تابعة للنظام، تنامى الخوف بأن مزيداً من الفظائع قد يكشف عنها النقاب. وتشير تقديرات المجلس الوطني الانتقالي إلى أن ما بين 57 ألف و 60 ألف رجل اعتقلوا من قبل نظام القذافي خلال الشهور الستة الماضية. وحرر نحو 10 آلاف سجين بعد سيطرة الثوار على طرابلس. ويتساءل الثوار بمزيد من القلق عن أماكن احتجاز الآخرين إن كانوا لا يزالون أحياء؟ وعندما غادرنا المستودع، انكب السكان المحليون والناجون على إعداد قوائم بأعداد القتلى وتسجيل معلومات عن المتهمين بقتل المعتقلين. ربما يأملون في تحقيق العدالة في ليبيا الحرة التي لم يتح للقتلى أن يشاهدوها تتحقق على أرض الواقع.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.