أثار تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، حول تهم الفساد المتعلقة بالمسؤول الرفيع السابق بوزارة الداخلية سعد الجبري، جدلا واسعا.
الصحيفة نقلت عن مسؤولين سعوديين حاليين، قولهم إن الجبري الذي عمل لسنوات طويلة كذراع يمنى لولي العهد وزير الداخلية السابق محمد بن نايف، أهدر ما لا يقل عن 11 مليار دولار خلال فترة توليه مسؤولية برامج مخصصة لمكافحة الإرهاب، ومنح نفسه أجورا فلكية، تدخل في إطار قضايا فساد تحضّرها الحكومة لمواجهته بها.
أخطر ما ورد في تقرير "وول ستريت جورنال"، بحسب ناشطين، هو نقلها عن مسؤولين حاليين قولهم إن اختلاسات الجبري كانت تتم بمباركة من محمد بن نايف، وهو ما طرح تساؤلات عن اتخاذ ابن سلمان قضية الجبري كوسيلة لإخراج صراعه مع ابن عمّه إلى العلن.
تبني رسمي
فور نشر "وول ستريت جورنال" تقريرها، سارعت وسائل إعلام سعودية رسمية لنشر ترجمة التقرير، مع مقتطفات منه.
ومن أبرز وسائل الإعلام التي احتفت بالتقرير: "العربية"، "الشرق الأوسط"، "عكاظ"، "سبق"، حساب "أخبار السعودية"، إضافة إلى أبرز الحسابات الموالية لولي العهد محمد بن سلمان، مثل الكاتب سلمان الدوسري، و"منذر آل الشيخ مبارك"، الذي روّج روايات تتهم الجبري بأنه عضو في جماعة "الإخوان المسلمين"، قام باختراق وزارة الداخلية السعودية لعقود.
وفي حملة منظمة، نشرت الحسابات الوهمية البارزة؛ "الردع السعودي"، "مجموعة نايف بن خالد"، "بن هباس"، وغيرها، اتهامات عديدة للجبري، فيما قامت بعضها بالإضافة إلى حسابات أقل شهرة، بالتعريض بمحمد بن نايف، واتهامه بالفساد، والإدمان على المخدرات.
وأطلقت حسابات موالية لابن سلمان، هاشتاغ "الهارب سعد الجبري"، وجهوا فيه سيلا من الشتائم والاتهامات للمسؤول الذي كان يحظى بثقة القيادة السعودية لنحو عقدين من الزمن.
رد ابن نايف
على نحو مفاجئ، وبرغم مرور خمسة شهور كاملة على آخر ظهور له، انطلقت حملة إلكترونية ضخمة للدفاع عن ولي العهد السابق بوجه الاتهامات الموجهة ضده.
وأطلق ناشطون هاشتاغ "محمد بن نايف" وصل إلى قمة الترند في السعودية، عبروا فيه عن تضامنهم التام مع الرجل الذي أطاح به ابن سلمان من كافة مناصبه منتصف العام 2017.
كثافة التغريد في هاشتاغ "محمد بن نايف" دفع ما يعرف بـ"الذباب الإلكتروني" إلى إسقاطه من "الترند"، ورفع هاشتاغات أخرى للتشويش عليه، بحسب اتهامات مناصري ابن نايف، الذين أكدوا أنهم نجحوا برفعه مجددا مرة أخرى.
الحملة غير المسبوقة لتأييد ابن نايف، أكد المعارض السعودي حسين القحطاني أنها منظّمة، وليست عفوية.
وقال القحطاني، في حديث لـ"عربي21"، إن داخل بيت الأسرة الحاكمة يوجد صراع "حذر" يهدف إلى التخلص من ابن سلمان.
وبحسب القحطاني، فإن هذا التيار يرى في محمد بن نايف البديل المناسب للأسرة، في ظل شح الخيارات المتوفرة، والخطر الداهم الذي يهدد وجودهم في حال تعرضهم لأزمة حقيقية.
إسقاط وخوف
رئيس حركة "الإصلاح" المعارضة، سعد الفقيه، قال إن ابن سلمان يسعى إلى تدمير رموز الأسرة الحاكمة الذين قد يهددون وجوده، وفي مقدمتهم عمّه أحمد بن عبد العزيز، ومحمد بن نايف.
ولفت الفقيه في حديث، إلى أن محمد بن سلمان وبرغم صمت ابن نايف، إلا أنه يراه حتى الآن مصدر خطر عليه، مضيفا أن وجود الجبري في الخارج (كندا) يزيد من مخاوف ولي العهد.
وقال الفقيه إن سعد الجبري لديه وثائق هامة من شأنها إدانة ابن سلمان بقضايا فساد، لا سيما في الفترة التي سبقت صعوده إلى أعلى هرم السلطة، حيث كان يستفيد بشكل غير شرعي من الأموال المخصصة للدولة، كبقية الأمراء، بحسب قوله.
وأوضح الفقيه أن ما لدى الجبري من معلومات شفوية قد يكون خطيرا أيضا، باعتبار أنه يعد شخصية موثوقة لدى أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وغيرها، بحكم علاقاته الوطيدة والممتدة معهم.
وأشار الفقيه إلى أن خشية ابن سلمان تأتي أيضا لكون الجبري ضابط الاتصال بين الاستخبارات السعودية ونظيراتها في أوروبا والولايات المتحدة لسنوات طويلة، إضافة إلى كون المسؤول السعودي السابق لا يزال يملك قنوات اتصال في أجهزة الدولة بالمملكة.
حقد شخصي
بحسب سعد الفقيه، فإن ابن سلمان عازم على الانتقام من الجبري لتمكّن الأخير من الهروب خارج البلاد، مستفيدا من شبكة علاقاته الأمنية الواسعة.
ولم يستبعد الفقيه أن يقدم ابن سلمان على تكرار حادثة خاشقجي مع الجبري، قائلا إنه وبخلاف الآخرين، لا يولي أي أهمية للمستشارين ذوي الحنكة السياسية، ويتخذ قراراته بناء على نزعة طائشة، إضافة إلى تأثره بأفكار مستشاره السابق سعود القحطاني.
ولفت إلى أن الجبري لا يعد معارضا، ولم يشأ الدخول في صراع مع ابن سلمان، إلا أن إقدام الأخير على اعتقال نجليه دفعه للخروج من عزلته، والرد على ولي العهد، مستدركا: "هو أحد الموالين للنظام وابن نايف تحديدا، ومشكلته مع ابن سلمان فقط، ولذا في حال أفرج عن نجليه قد يعود إلى صمته".
فيما قال حسين القحطاني، إنه لا يتوقع خروج الجبري للعلن، إلا في حالة تصعيد الحكومة ضده باستخدام أبنائه مجددا كوسيلة ضغط.
وتابع: "إذا أقدم ابن سلمان على تصرف متهور -كما هو طبعه- تجاه أسرة الجبري، فأعتقد أن نوعية البيانات التي سيقوم بتسريبها ستكون أقوى".
ليس بريئا
أكد الفقيه صحة المعلومات الواردة على لسان مسؤولين سعوديين في تقرير "وول ستريت جورنال" بشأن مزاعم الفساد ضد الجبري، مضيفا أن المسؤولين في الداخلية، والحرس الوطني، وأجهزة الدولة الأمنية، "متورطون قطعا بالفساد".
الفقيه أوضح أن حملة ابن سلمان ضد الجبري تشير إلى حقيقة تورطه بقضايا فساد يخشى أن تظهر للعلن، متابعا: "القضية هي أن السارقين اختلفوا فيما بينهم".
وقال إنه في حال أراد الجبري تنظيف سجّله، فعليه التبرؤ أولا من محمد بن نايف المتهم بالتنكيل والبطش بالمعارضين.
فيما قال حسين القحطاني إن "الجبري أحد رجالات الدولة السعودية، وهو موال لتيار ابن نايف ضد ابن سلمان".
وأضاف: "نرفض اعتقال الأبرياء، أيا كان صلة المجرم بهم، لكن الجبري لا يجب أن يتعامل معه كمظلوم، فهو أداة بطش سابقة للنظام".
وتابع بأن "محاولة تبرئته، أو الدفاع عنه تشفيا أو عداوة لابن سلمان يعتبر ظُلما لضحايا الداخلية وأهاليهم ممن مورست عليهم أسوأ طرق التعذيب، ومنهم من فقد حياته".