أثار صمت الأزهر، وشيخه أحمد الطيب، وهيئة كبار علماء المسلمين بمصر، إزاء التطبيع الإماراتي مع الاحتلال الإسرائيلي، علامات استفهام بشأن موقفه من هذا الاتفاق المفاجئ، الذي خالف حتى مخرجات القمة العربية في عام 2002، ضمن مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية.
وتشترط المبادرة العربية إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967، وعودة اللاجئين، وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من هضبة الجولان، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات مع الدول العربية.
لكن الأزهر كان أرسى منذ عقود مبدأ عدم زيارة القدس المحتلة، أو القبول بالتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكانت لأئمة الأزهر مواقف عديدة في هذا الصدد.
مواقف الأزهر السابقة
حرّم شيخ الأزهر الأسبق، جاد الحق علي جاد الحق، التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، ورفض إجازة زيارة القدس، وقال قولته الشهيرة: "من يذهب للقدس من المسلمين آثم آثم"، وأكد أنه "تجب عدم زيارتها قبل تطهير الأرض من دنسِ المغتصبين اليهود وعودتِها لأهلها".
كما رفض الشيخ عبد الحليم محمود مرافقة الرئيس أنور السادات في زيارته للقدس المحتلة، ورفض جاد الحق لقاء رئيس إسرائيل عيزرا وايزمان، أثناء زيارته للقاهرة في عهد حسني مبارك.
وقال الشيخ محمد سيد طنطاوي: "أرفض زيارة القدس وهى مُكبّلة بسلاسل قوات الاحتلال الإسرائيلية، لأن زيارة أي مسلم لها يُعد اعترافا بمشروعية الاحتلال الإسرائيلي، وتكريسا لسلطته الغاشمة".
في كانون الأول/ ديسمبر 2017، رفض شيخ الأزهر أحمد الطيب لقاء نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس بالقاهرة، إثر اعتراف واشنطن بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وحذرت هيئة كبار العلماء بعدها من محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني "قبل قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس".
ويأتي موقف الشيخ الطيب متمما للمواقف السابقة، حيث جدد رفضه في آذار/ مارس 2013 زيارة القدس أو التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ حتى لا يكون ذلك على حساب القضية الفلسطينية.
وما بين عامي 2013 و2019، استلم شيخ الأزهر العديد من الجوائز في دولة الإمارات، واستقبلته القيادات السياسية هناك استقبال الملوك والرؤساء، وتنوعت تلك الجوائز ما بين جائزة "الشيخ زايد" للكتاب، وجائزة شخصية العام الثقافية من أبوظبي، عام 2013، وجائزة الإخوة الإنسانية مع بابا الفاتيكان؛ لجهودهما في نشر السلام في العالم.
رسالة الأزهر لا علاقة لها بجوائز الإمارات
وأعرب عضو لجنة الشؤون الدينية والأوقاف بالبرلمان المصري سابقا، محمود عطية، عن مخاوفه من أنه "كان من الخطأ الكبير استدعاء وتكريم شيخ الأزهر في الإمارات؛ لأنه كان بهدف قادم ظهر بالأمس، لذلك على شيخ الأزهر أن يتخذ موقفا معلنا ورسميا وسريعا من التطبيع، ولا يجوز شرعا السكوت عنه، عدم إبداء رأي الشرع فيه من قبل مؤسسة كالأزهر".
وأكد عطية، وهو داعية وخطيب، أيضا أن "تكريم الطيب لا يعني ألا يكون له موقف مشرف تجاه القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى، والتطبيع مع الكيان الصهيوني"، مشيرا إلى أن "التكريم والحفاوة كان من أجل هدف، لكن في الحقيقة الأزهر كان له مواقف سابقة طيبة".
وطالب شيخ الأزهر بإعلان موقفه، قائلا: "أطالب الدكتور الطيب بأن يخرج عن صمته الآن، وأن يرد عليهم جوائزهم (الإمارات)، وتكريمهم ويقول كلمته؛ لأن ذلك يضيع حقوق المسلمين والفلسطينيين في مقدساتهم وأرضهم".
موازنات السلطة القمعية
بدوره؛ قال القيادي بالجبهة السلفية، مصطفى البدري، إن "مواقف الأزهر منذ بداية القضية وحتى الآن حيال القدس والأقصى مواقف مشرفة، وتجلت في فتاوى وردود فعل شيوخ الأزهر وأئمته، وهكذا شيخ الأزهر الحالي".
وكشف والباحث والداعية قائلا: "شيخ الأزهر له مواقف طيبة، بداية من وثيقة الأزهر في 2011، وصولا إلى إلغاء لقائه مع نائب الرئيس الأمريكي بعد قرار واشنطن نقل سفارتها للقدس المحتلة، ومؤخرا كان للأزهر حديث عن القضية الفلسطينية وانتقاد المجتمع الدولي حيال عدم الالتزام بتنفيذ القرارات الدولية".
لكنه رأى أن "سكوته الأخير إيجابي وسلبي، إيجابي لأنه لم يدعم الموقف الإجرامي الذي هو خيانة للقضية الفلسطينية، لكن على الجانب الآخر هو سلبي؛ لأن من طبيعة دور العلماء هو أن يبينوا للناس الصواب من الخطأ، فما حدث هو خيانة لله ورسوله، وجرم في حق الأمة العربية والإسلامية، لكنها الموازنات التي يفرضها العمل تحت سلطات قمعية كالتي نحن بصددها الآن".
الأزهر وخطى النظام
واستبعد الداعية الشيخ، شعبان أبو بدرية، أن يعلق شيخ الأزهر على الاتفاق، قائلا: "شيخ الأزهر للأسف لا يستطيع أن يدلى بدلوه في هذا الشأن؛ لأنه في النهاية تابع للنظام المصري الذى يبارك هذا الاتفاق، بل ويسعى لضم دول أخرى لإعلان تطبيعهم مع العدو الصهيوني".
وأضاف: "ربما يلبسون عليه (النظام) من خلال مستشاريه، أن هذا التطبيع سيمكن العرب من مساعدة الفلسطينيين، ولا أدرى هل وعي شيخ الأزهر سُيمكنه من إدراك أن هذا التطبيع هو للقضاء على المقاومة الإسلامية، وتمهيد لتطبيق صفقة القرن".
وتوقع إمام مسجد الهدى الإسلامي في مينيابولس بولاية مينيسوتا في أمريكا، أن "لا يهتم شيخ الأزهر بهذه القضية؛ حتى يتجنب الصدام مع العسكر في مصر، ولن يغضب الإمارات التي تمثل له نوعا من الحماية والتوسط له عند العسكر، وأعلوا قدره بشكل مفرط بهدف تحييده لاحقا".