يعيش قطاع غزة في هذه الأيام مع الذكرى الـ15 لتطبيق "إسرائيل" خطة انسحابها من قطاع غزة بعد إجبار المقاومة لها ، وأخلت فيها مستوطنات ومعسكرات تابعة للجيش الإسرائيلي بالإضافة إلى 4 مستوطنات أخرى في الضفة الغربية.
وأجبرت المقاومة جيش الاحتلال على الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة من خلال توجيه ضربات نوعية لجنود الاحتلال على الحواجز التي كان يضعها على الشوارع الرئيسية للحيلولة دون تنقل المواطنين بين المحافظات وداخل القطاع، حيث حدث الكثير من الاشتباكات المسلحة، أو عبر مفاجأت الجنود بسيارات مفخخة، أو الاقتحامات المتكررة للمستوطنات عبر التسلل خلف خطوط العدو".
لكن بداخل قرار الانسحاب تلك هناك أسرار عديدة وروايات أخرى سواء أكانت سياسية أو إنسانية.
سر الانسحاب
لكن ماذا عن سر انسحاب شارون من قطاع غزة، فهو مكان وصف بـ"الصداع الأمني" البالغ، خاصة وأن وجود وتأمينه كان يمثل مشكلة للإسرائيليين، لأنه يقطن فيه حوال 2 مليون نسمة في مساحة من الأرض قليلة جدا ما يجعل عملية تأمينها بالكامل شبه مستحيلة.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية قناة "كان" العبرية، بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة عشر للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، أن سبب هزيمة شارون وانسحابه من القطاع، هو عملية "نتساريم" التي قتل فيها 3 جنود إسرائيليين، واعتبرتها القناة "القشة التي قصمت ظهر البعير".
وأفادت القناة العبرية بأن الجنرال آفي ديختر، رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي، خلال فترة شارون، قد أعلن، فجأة، عن انسحاب بلاده من قطاع غزة، في جلسة خاصة أو مغلقة بمركز هرتزليا متعدد الأغراض.
وعن ذلك، قال مشير المصري، القيادي في حركة حماس، وعضو البرلمان الفلسطيني الحالي، والذي كان يشغل منصب الناطق الرسمي باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقت الانسحاب الإسرائيلي من القطاع في تصريحات صحفية إنه بخلاف ما تروجه إسرائيل، فالمقاومة هي من أجبرت تل أبيب على الانسحاب من قطاع غزة.
وقال المصري: "حاول الاحتلال أن يسوق بأن انسحابه من قطاع غزة قبل 15 عامًا جاء في إطار حسابات داخلية، ضمن حسن النوايا، وإعادة التموضع، لكن كل ما يثار لا قيمة له أمام قراءة المشهد الميداني وقتها، فلو كان العدو يشعر بارتياح لم يكن ليفكر في الانسحاب، فالمستوطنات الإسرائيلية لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت منذ احتلال قطاع غزة في عام 1967، ولم يفكر الاحتلال أو تتحدث أي من قاداته في أي مرحلة من المراحل عن الانسحاب، ما يعني أنه دفع ثمنا كبيرا جراء بقاء هذه المستوطنات، وأدرك أن الانسحاب أقل ضررا من البقاء".
وتابع الناطق باسم حماس وقت الانسحاب: "قوى المقاومة هي التي أجبرت الاحتلال على الانسحاب من قطاع غزة، وليس حسن نوايا لدى المحتل، أو نتيجة لأي تفاهمات أو ضغوط دولية وعربية، فكان هناك وحدة موقف للمقاومة الفلسطينية داخل القطاع، وهو ما تجلى اليوم في غرفة العمليات المشتركة، حيث كانت المقاومة تتنافس فيما بينها على مواجهة الاحتلال، وجعله يدفع ثمن مستوطناته وتصرفاته في القطاع".
وأكمل بقوله "كان هناك إبداع من المقاومة الفلسطينية سواء من خلال توجيه ضربات نوعية لجنود الاحتلال على الحواجز التي كان يضعها على الشوارع الرئيسية للحيلولة دون تنقل المواطنين بين المحافظات وداخل القطاع، حيث حدث الكثير من الاشتباكات المسلحة، أو عبر مفاجأت الجنود بسيارات مفخخة، أو الاقتحامات المتكررة للمستوطنات عبر التسلل خلف خطوط العدو".
أما عن أدوات المقاومة التي سرعت من الانسحاب الإسرائيلي فقال المصري: "المقاومة أبدعت في إنشاء عدة أنفاق سميت وقتها أنفاق الجحيم، مكث فيها المقاومون شهورا طويلة يحفروها بين الأراضي الفلسطينية ومستوطنات الاحتلال، وتم تفجير خلالها الكثير من المواقع العسكرية الأشد تحصنًا، فضلا عن استخدام قذائف الهاون، وكل ذلك دفع المستوطنين إلى الفرار لداخل الكيان، خوفًا من بطش المقاومة، لاشك أن أدوات المقاومة كانت متنوعة، وكان هناك إبداع في التكتيكات المستخدمة وأساليب مقاومة الاحتلال".
كما قال أيضا محمد الأسطل، المزارع الستيني الذي كان يقطن في جنوب شرقي دير البلح، والتي كانت مستوطنة إسرائيلية تعرف باسم "غوش قطيف" :"إسرائيل قررت الخروج من غزة، لأن المقاومة كانت قوية للغاية، ولم ينجح شارون في السيطرة على غزة".
كما قال سليم أبو عمرو، شاهد عيان لفترة الانسحاب، والذي يبلغ حاليا من العمر 80 عاما، وكان يعمل صحفيا وقت الانسحاب، إن المقاومة كانت هي العامل الحاسم في الانسحاب الإسرائيلي.
وتابع أبو عمرو: "كانت المقاومة تقوم بواجبها ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكان المقاومون يحاولون في كل مرة فتح هذه المحاور بين المحافظات والطرق لتسهيل حركة المواطن، بينما كان الاحتلال يواصل إغلاق هذه المحاور، وأمام اشتداد المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال وباتت ملحوظة جدا ومؤثرة، ولم يجد الاحتلال في عهد شارون مفرًا من الخروج والهروب من قطاع غزة وترك المستوطنات لتصبح محررات بفعل المقاومة الشرسة والبطولية والوقفة الوطنية لجميع فصائل المقاومة الفلسطينية في وحدة وطنية ومقاومة يشهد لها الجميع".
وعن القول بإن إسرائيل خرجت بإرادتها يقول أبو عمرو: "هذا افتراء وادعاء يدعو إلى السخرية والضحك، لم يكن في فكر الاحتلال يوما ما -ولن يكون- هذا التصور والتفكير، هذه أشياء يقولونها لمواطنيهم وجنودهم فقط لإظهار أنهم أصحاب القرار وخرجوا بإرادتهم، لكنهم خرجوا مندحرين من قطاع غزة منهزمين، بسبب المقاومة التي بدأت أن تشتد وتوقع في صفوفهم الخسائر، لدرجة أن بعض العمليات التي يقوم بها المقامون يتم خلالها الاستيلاء على سلاح جنود الاحتلال، لهذا هربوا فهم لم يخرجوا بمحض إرادتهم، لأن النظرة الإسرائيلية دائمة نظرة السيطرة والاحتلال والحصار الكامل كما يحدث الآن في قطاع غزة والضفة".
ووصف شاهد العيان الحياة التي كانت يعيشها المواطنين الفلسطينيين، بقوله: "الحياة كانت قاتمة لم يكن هناك معنى للحياة، لم يكن باستطاعة المواطنين التحرك في كل محافظات القطاع بكل حرية، كان الجنود الإسرائيليون يغلقون الممرات، خاصة معبر أبوهولي وكان يشكل إزعاجًا كبيرًا لحركة المواطنين، فلم يكن يتمتع الفلسطيني بحرية التنقل كما يشاء أو التصرف أو العمل، كثيرا من الأحيان كان الموظفون لا يستيطعون الوصول لأماكن عملهم بسبب الحواجز الإسرائيلية والإجراءات التي كانوا يقومون بها ضد حركة المواطنين".
أوقات قاتمة
أما عن يوم الانسحاب فيقول يديديا حروش: " كان في 21 أغسطس. حدث ذلك في الصباح. بحلول الظهر جاؤوا، بعد شهر تم تسوية المستوطنة بأكملها بالأرض، ولم نبدأ في بناء منزلنا الجديد إل بعد 10 سنوات في مستوطنة شلوميت، ولم تعوضنا الحكومة بالصورة الكافية لأن الأسعار ارتفعت بنحو 50% تقريبا".
لكن في الناحية الأخرى، يروي أيضا محمد الأسطل، المزارع الفلسطيني الذي كان يعيش في مناطق متاخمة للمستوطنات، قصة أخرى مغايرة تماما.
ويقول الأسطل في تصريحات "كنا نعيش كما لو كنا سجناء، كانت حركتنا محدودة وكان من المفترض أن نحصل على إذن من الجيش الإسرائيلي للخروج من منطقتنا والعودة إليها. بالإضافة إلى ذلك ، لم يُسمح لنا بالوصول إلى مزارعنا لزراعتها".
وأضاف بقوله "تعرضنا لاعتداءات المستوطنين، خاصة في ظل التوتر بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، كان كل شيء صعبًا وكنا رهائن المستوطنين".
أما عن شعور المزارع وقت إخلاء المستوطنات فقال الأسطل: "بالتأكيد، كنت سعيدًا جدًا بهذا الأمر لأنني سأستعيد حريتي في النهاية وأعيش بسلام دون مخاوف من اعتداءات المستوطنين. فكرت كيف سأزرع أرضي وأبني منزلي على غرار البناء الحديث. قبل ذلك الانسحاب كنت أعيش مع عائلتي في خيام صغيرة".
ولكنه عاد وقال: "لكن للأسف لم تتحسن أحوالنا بعد الانسحاب، لأن الصراع بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية ازداد، ومنذ ذلك الوقت أصبح قطاع غزة عرضة لعشرات العمليات من التصعيد العسكري. بالإضافة إلى ذلك، لم تنجح السلطة الفلسطينية في السيطرة على غزة، وسيطرة حماس على القطاع، ودمر الانقسام كل مناحي الحياة".
في النهاية، الانسحاب الإسرائيلي، كان بمثابة نقطة فاصلة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وزادت المقاومة بعدها من قدرتها العسكرية من خلال حفر الأنفاق وتصنيع الصواريخ التدميرية، بالإضافة إلى الارتياح في التنقل والحركة الذي شعر به الشعب الفلسطيني في غزة بإزالة الحواجز الإسرائيلية والمستوطنات.