من متحف الهولوكوست في برلين استهل وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان لقاء نظيره غابي أشكنازي، في خطوة تحمل رمزية كبيرة لكون اللقاء في نصب تاريخي يخلد "محرقة اليهود"، وهو الأول بينهما بعد أن طبعت الدولة الخليجية مع "إسرائيل".
ودوّن بن زايد عبارة: "لن يحدث مطلقاً مرة أخرى" في سجل الزائرين للمتحف، ليسجل نفسه كأرفع مسؤول عربي يزور هذا المكان الحساس بالنسبة لليهود.
كما بحث الوزيران على انفراد خلال زيارتهما "تقدم الاتصالات حول مختلف ملاحق اتفاقية السلام بين الدولتين، ومن ضمن ذلك مجالات الطيران والتأشيرات والعلاقات الدبلوماسية والاستثمار والعلوم والتكنولوجيا والمياه والزراعة والطاقة وغيرها".
ويعتبر المتحف اليهودي في برلين أحد أكبر المتاحف اليهودية في أوروبا، ويزوره كل عام حوالي 650 ألف شخص، ويعرض المحرقة النازية بحق اليهود.
وسبق بن زايد في زيارة المتحف اليهودي في يناير الماضي، محمد العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، التي تمثل أكثر من مليار مسلم، في زيارة مثيرة للانتباه، إذ إن العيسى وصل مع مدير اللجنة اليهودية الأمريكية، ديفيد هاريس، في زيارة وصفت حينها بأنها تمهيد لتطبيع "سعودي" مع "إسرائيل"، في إشارة للبلد الذي ينتمي له العيسى.
ما هو الهولوكوست؟
وتحمل زيارة بن زايد معاني كبيرة في أول لقاء مع نظيره الإسرائيلي، لما للهولوكوست من معان تمس منهج اليهود في ترويج قضيتهم وإقناع العالم بأحقيتهم في أرض فلسطين.
والهولوكوست كلمة يونانية تعني "محروق"، وهي إبادة جماعية يقول اليهود إنها وقعت خلال الحرب العالمية الثانية، وقُتِل فيها ما يقرب من ستة ملايين يهودي أوروبي على يد النظام النازي لأدولف هتلر.
ويستخدم بعض المؤرخين تعريف الهولوكوست الذي يضم خمسة ملايين إنسان إضافيين من غير اليهود، كانوا أيضاً من ضحايا القتل الجماعي للنظام النازي، ليصبح المجموع الكلي ما يقارب الـ11 مليون إنسان.
جرت عمليات القتل في جميع أنحاء ألمانيا النازية، والمناطق المحتلة من قبل ألمانيا في أوروبا.
استهدف النظام النازي والمتواطئون معه اليهود، وجرى قتلهم بطريقة منهجية في خضم الحرب العالمية الثانية من عام 1941 حتى 1945، في إحدى أكبر الإبادات الجماعية في التاريخ البشري كما تزعم "إسرائيل".
ويتهم العديد من السياسيين والمثقفين الحركة الصهيونية أنها اتخذت المحرقة ذريعة لإنشاء دولة "إسرائيل"، كما تنتشر ظاهرة إنكار الهولوكوست في العالم العربي، ففي أغسطس 2002 تم إقامة مؤتمر في مركز زايد في أبوظبي، ووُصف بأنه ينشر الأفكار التي تنكر الهولوكوست.
ويعتبر إنكار الهولوكوست، أي القول بأن الإبادة الجماعية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية لم تحدث فعلاً بالأسلوب أو الحجم الذي يشار إليه حالياً من قبل "إسرائيل"، جريمة في عدد من دول العالم.
رمزية اللقاء الأول
تتمثل رمزية اللقاء الأول في متحف الهولوكوست في كونها رسالة تؤكد أن السياسة الإماراتية تقوم على مبدأ "السلام مقابل السلام"، وهو ما أكده رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في أكثر من مناسبة.
كما تمثل هذه الخطوة امتداداً لسياسة تطبيعية تنتهجها أبوظبي، بهدف ترسيخ سياسة التكيف مع "إسرائيل" وإضفاء الشرعية عليها، وفق مراقبين.
المختص في الشأن الإسرائيلي، سعيد بشارات، يؤكد أن زيارة وزير الخارجية الإماراتي لمتحف "الهولوكوست" في برلين يعد اعترافاً رسمياً من قبل دولته بالرواية الإسرائيلية حول اضطهاد اليهود من قبل النازيين.
وبين بشارات أن وزير الخارجية الإماراتي وثق في دفتر الملاحظات الموجود أمام متحف "الهولوكوست" في برلين الادعاءات حول تعرض اليهود للظلم والاضطهاد، مع اعترافه بكل ما كتبه الإسرائيليون حول تلك القضية.
وإلى جانب اعتراف الإمارات بما يعرف بـ"الهولوكوست"، يوضح بشارات لـ"الخليج أونلاين" أن حكام أبوظبي يريدون من تلك الزيارة "استغلال علاقاتهم مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل سلبي ضد الفلسطينيين وقضيتهم، وخدمة "إسرائيل" وسياساتها ودعايتها".
وستكون زيارة وزير الخارجية الإماراتي، وفق المختص في الشأن الإسرائيلي، بداية لعلاقات أوسع بين الإمارات و"إسرائيل"، حيث يتوقع زيادة خدمة أبوظبي لدولة الاحتلال على المستويات كافة.
كذلك، يرى بشارات أن الإمارات تريد من خلال زيارتها لمتحف "الهولوكوست" إيجاد موقع لها في العالم بعد توقيعها اتفاق تطبيع كامل مع "إسرائيل"، ولكنها "لن تنجح في ذلك؛ لكون دولة الاحتلال تعمل على خداعها وتضليلها من خلال التصرفات والعلاقات معها".
وفي 15 سبتمبر الماضي، وقَّعت الإمارات والبحرين، في واشنطن، اتفاقيتين لتطبيع علاقاتهما مع "إسرائيل"، وسط رفض شعبي عربي واسع واتهامات بخيانة القضية الفلسطينية، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ عربية.
وكان وزير الخارجية الإماراتي قد مثَّل بلاده في مراسم توقيع اتفاق التطبيع التي جرت في البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكية، في حين كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الحاضر من جانب الدولة العبرية.
وأصبحت الإمارات ثالث دولة عربية والأولى خليجياً التي تبرم اتفاقية لإقامة علاقات دبلوماسية مع "تل أبيب"، قبل أن تلحقها البحرين، لتصبح الدولةَ الرابعة عربياً، وسط حديث عن تطبيع دول عربية بالمستقبل المنظور.