مع توالي تطبيع الدول العربية مع الاحتلال الإسرائيلي والتي كان آخرها السودان، يتكشف شيئا فشيئا، أن حصار المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وتجفيف منابعها، يأتي على رأس أهداف المنظومة الأمنية المشتركة، التي يديرها جهاز الأمن الإسرائيلي في المنطقة.
الدوائر القريبة
ولتسليط الضوء على هذه القضية، تم الحديث مع عدد من الخبراء، لبيان مدى تأثير تطبيع السودان مع الاحتلال الذي أعلن عنه الجمعة الماضي، على إمداد المقاومة في غزة بالسلاح والعتاد.
واهتمت وسائل الإعلام العبرية بالحديث عن تطبيع الخرطوم، معتبرة أن من أبرز نتائج هذا الاتفاق، هو قطع إمدادات السلاح عبر السودان إلى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
واستعرضت وزارة الاستخبارات التابعة للاحتلال الإسرائيلي، فوائد التطبيع مع السودان الذي يمتلك موقعا استراتيجيا في القارة الأفريقية، والتي أعلن عنها الجمعة الماضي، معتبرة أن "المصلحة المركزية لإسرائيل في السودان التي يبلغ تعداد سكانها 42 مليونا، هي الأمن، حيث تقع السودان على البحر الأحمر وعلى طريق تهريب مركزي للسلاح".
وألمحت إلى إمكانية وجود "نشاط أمني مشترك في المنطقة" بين الخرطوم وتل أبيب، موضحة أن "السودان بعد التطبيع، سيكون قادرا على المساعدة في منع تهريب أسلحة على مسار السودان-مصر-غزة، ومنع تموضع جهات معادية لإسرائيل على أراضيها، مع إمكانية إحباط إقامة قواعد بحرية لجهات معادية لإسرائيل، مثل إيران وتركيا على شواطئ البحر الأحمر، كما أن إسرائيل ستساعد السودان في الدفاع عن حدودها".
وأوضح الخبير الأمني الفلسطيني، كمال التربان، أن "المقاومة في غزة تعيش في بيئة متوترة، والدوائر الأخطر هي المحيطة بها بالدرجة الأولى في ما يتعلق بسلاح المقاومة؛ مصر والأردن وغيرها، وهذه الدوائر القريبة التي لديها اتفاقيات مع الاحتلال من زمن".
ونوه، إلى أن حديث وتوجه الاحتلال لاستغلال تطبيع السودان من أجل قطع إمدادات المقاومة بالسلاح، لا بد أن نأخذهما في محورين، الحقيقي والانتخابي.
تهويش إعلامي
ولفت التربان، إلى أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو المتهم بالفساد، "يحاول أن يرسم التطبيع، كإنجاز ضخم وتاريخي، في الوقت الذي يخشى فيه الجمهور الصهيوني سلاح المقاومة بشكل كبير، فهو يعزف على هذا الوتر، حتى يخفف من الضغوط التي عليه ويعزز من فرصته في أي انتخابات قادمة".
ونبه إلى أن "السودان محور مهم وجيد، ويا ترى، هل المقاومة كانت تجهل ذلك ولم تأخذ احتياطاتها وترتب أمورها؟ أظن أن المقاومة في المرحلة الأخيرة، وصلت إلى أن تطور إمكاناتها ذاتيا، وأن تعد وتجهز في الميدان، ولعل موضوع أنابيب المياه التي تم استخراجها من الأرض، والمواد المتفجرة التي أخرجت من السفينة الغارقة في البحر، كل ذلك يؤكد أن الموارد من الخارج أصبحت أضعف من الأول، وجاء تطبيع السودان ليضيف حلقة جديدة"، في حصار المقاومة.
ورأى الخبير الأمني، أن لقراءة واقع السودان، "تظهر مسألة مهمة، أن مساحة السودان لا تضيقها إمكانات المؤسسة الأمنية في السودان، ولذلك، فإن كل هذا التهويش الإعلامي لو أسقط على أرض الواقع، فسيتضح أنه لا يمكن للاحتلال أن يطوق المقاومة، خاصة إذا توفرت النية الصادقة لدى الجهات الداعمة للمقاومة بالسلاح، وعليه فلن يؤثر التطبيع ولا غيره وستبقى الأمور على ما هي عليه الآن".
وعن سعي المقاومة لتطوير سلاحها ذاتيا وفق الموارد المتاحة محليا في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي للقطاع للعام 14 على التوالي، أكد أن "فكرة تطوير الإمكانات ذاتيا متوفرة لدى المقاومة المحاصرة من فترة طويلة، وفكرة التصرف والتقشف بالمواد المتاحة متوفرة أيضا، وهذا ما نقرأه من طريقة عملها في الميدان".
اختراق التحصينات
ونوه التربان، إلى أنه "لو كانت المقاومة تعتمد كليا على الموارد التي تأتي من الخارج، لما وصلت إلى ما وصلت إليه الآن، ولذلك تجد هناك إنجازات"، مؤكدا أن "الاحتلال لن يستطيع منع المقاومة من استقدام السلاح؛ سواء من السودان أو من غيره".
من جانبه، أكد الخبير في الأمن القومي، إبراهيم حبيب، أن "اتفاق التطبيع بين السودان والاحتلال، هو الأخطر على القضية الفلسطينية، لأن السودان يمثل الحديقة الخلفية للمقاومة الفلسطينية، والتي كان من خلالها يشحن السلاح للمقاومة في غزة".
وأوضح، أنه "عبر اتفاقية تطبيع السودان، يسعى الاحتلال إلى قطع الإمدادات نهائيا عن المقاومة وتشديد الحصار عليها، إضافة إلى أن السودان يمتلك الكثير من المعلومات عن المقاومة والطرق التي كانت تسلكها لجلب السلاح والأشخاص".
وأضاف حبيب: "انفتاح مجال التعاون عبر التطبيع بين الخرطوم والاحتلال، سيكون له تأثير كبير على المقاومة وعلى رجالاتها وعلى المعلومات التي كانت تحرص أن تبقى سرية"، مؤكدا أن "تطبيع السودان أيضا هو الأخطر على المقاومة الفلسطينية في المرحلة الحالية، في ظل الحصار المشدد من قبل الجانب المصري على الحدود مع قطاع غزة".
وعن إمكانية وصول السلاح للمقاومة في غزة في ظل هذا الواقع، بين أن "طريق السلاح لغزة يمر عبر سيناء من أكثر من طريق، الأول؛ عبر ليبيا سابقا وتم قطعه، والثاني؛ عبر السودان من خلال الأراضي المصرية بحسب ما يرد في وسائل الإعلام، وأما الطريق الثالث؛ فهو عبر البحر مباشرة".
ورأى الخبير، أن "الأمور باتت أكثر صعوبة على المقاومة في هذه المرحلة، لكن المقاومة أثبتت دائما أن لها القدرة على اختراق كل هذه التحصينات والوصول إلى ما تريد"، مضيفا أنه "ربما تكون الأمور صعبة في المرحلة القادمة، لكن المقاومة لن تعجز في جلب النوعيات المهمة من السلاح، خصوصا أنها لا تأتي بالسلاح بقدر ما تأتي بالتقنية التي تطورها في غزة، وهذا يريحها كثيرا ويجعلها بعيدة عن حالة الابتزاز وحصار منع السلاح".