كان البيت الأبيض في عهد ترامب مركزَ جلّ العلاقات العربية الخارجية، ومركزَ التوجيه المباشر وغير المباشر لها.
ترامب كان عنيفا في سياسته الخارجية، وكانت الدول العربية ترى في مهادنته وإطاعة توجيهاته ما يحفظ لها نظام الحكم، ويساعدها في استقرار البلاد.
خذ مثلا كان ترامب عنيفا في قراراته تجاه إيران، حيث انسحب من الاتفاق الذي عقده سلفه أوباما شراكة مع الأوروبيين من طرف وإيران من طرف آخر، ورفض مطالب أوروبا بعدم الانسحاب، وكثف حصاره لإيران، الأمر الذي بعث راحة في تل أبيب وبعض العواصم العربية.
ومن أمثلة سياسته العنيفة اتخاذه قرارا منفردا بنقل سفارة بلاده للقدس، رغم امتناع أسلافه عن اتخاذ هذا القرار، ورغم مطالب الأوروبيين له بالتريث، ورغم رفض السلطة الفلسطينية، وعدد من الدول العربية والإسلامية.
زد على ذلك أنه أغلق مكاتب منظمة التحرير في واشنطن خلافا لمقتضيات اتفاقية أوسلو، ثم أوقف المساعدات المقدمة للسلطة، وللأونروا، وأعلن عن مشروع صفقة القرن التي قفزت عن حل الدولتين، وأعطت (إسرائيل) فرصة غير مسبوقة لضم أراضي الضفة الغربية لسيادتها.
الأمثلة على عنف سياسة ترامب الخارجية النابعة من عدم احترامه للآخرين لا سيما دول الخليج الغنية، عبّر عنها بصراحة في تصريحات له سربتها بعض وسائل الإعلام الغربية، يحتقر فيها قادة الخليج ويطالبهم بالدفع السخي لأميركا التي تحمي مؤخراتهم! وفيها قال إن دول الخليج تدفع أموالها لمساعدة (إسرائيل) بالأموال التي تستثمرها في أميركا! هذه السياسة العنيفة راقت بعض قادة العرب لأنهم رأوا فيها ما يحقق رغبتهم في الانتقام من إيران من ناحية، ومن تركيا وأردوغان من ناحية ثانية، ولذلك سكتوا عن وقاحته، وابتزازه لأموالهم، مقابل تحقيق ما يشفي غلهم من قادة آخرين.
في معمعة هذه المعارك الخارجية خسرت السلطة أشياء كثيرة، وقررت انتظار بايدن، عسى أن يخفف إجراءات أميركا الخارجية ضدها، وأن يعيدها لطاولة المفاوضات دون صفقة القرن، ويعيد لها المساعدات التي قطعها ترامب.
ولكن رهان السلطة على فوز بايدن محفوف بمخاطر فشله في تحقيق هذا الفوز.
وعندها ربما تتعقد الأمور في وجه قيادة السلطة، التي ربما ترضخ لمطالب ترامب خشية أن ينفذ ما صرح به فريدمان حول البديل عن عباس.
السلطة الآن تنتظر، وتدعو، ولكن الفارق بين المغادر للبيت الأبيض والقادم له ليس كبيرا، ولا جوهريا في العلاقة مع (إسرائيل)، وهذا يقتضي منها إعادة النظر في سياستها لا انتظار تغيير في سياسة البيت الأبيض! مهما تغير الآخرون في البيت الأبيض فلن يقدموا لنا حلا منصفا، وسيحافظون على ولائهم الموروث لدولة الاحتلال.
خلاصة القول: إن السياسة الخارجية لمجموعة من أشار لهم المقال تقوم على أركان أربعة: عنف، وابتزاز، وتشفٍّ، وانتظار، وإذا حدثوكم عن التفاهم، والاحترام فهم كاذبون.