"إن كل ما يؤثر في وحدة الصف حول ولاة أمور المسلمين من بث شبه وأفكار، أو تأسيس جماعات ذات بيعة وتنظيم أو غير ذلك، فهو محرم بدلالة الكتاب والسنة... وإن في طليعة هذه الجماعات التي نحذر منها جماعة الإخوان المسلمين... إن هذه الجماعة منحرفة قائمة على منازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام وإثارة الفتن، وإن هذه الجماعة منذ تأسيسها لم يظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية ولا بعلوم الكتاب والسنة".
هذه أجزاء من بيان هيئة كبار العلماء السعودية، الذي أصدرته الثلاثاء، ومن المعلوم أن هيئة كبار العلماء هذه مؤسسة حكومية، تتلقى أموالها من الحكومة السعودية، ومن ثم فإنه من الطبيعي أن يخرج منها بيان يجرم حركة الإخوان المسلمين، ويصفها بالانحراف، وأنها تنازع ولاة الأمر، وتمزق وحدة الصف القائم خلف الأمراء، وذلك بعد أن عد ولاة الأمر جماعة الإخوان حركة إرهابية بقرار سياسي، لا بحكم فقهي.
جماعة الإخوان المسلمين ليست في حاجة لتزكية من هيئة كبار علماء المملكة، هداهم الله، ولا يسرها تزكية جهات حكومية تتبع الحاكم وترى أقضية الحياة والآخرة بعينيه، لأن الجماعة عندما أسسها المرشد حسن البنا رحمه الله كانت تستهدف إعادة الناس إلى الإسلام كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتستهدف توجيه الحاكم للحكم بما أنزل الله، وإخلاص إدارة الحكم لله سبحانه، وقد كتب البنا وتلامذته في هذه المواضيع ما يجلي هذه القضايا على منهج أهل السنة والجماعة. وأتحدى هيئة العلماء أن تجد فيما قال أو كتب مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة!
إن طاعة ولي الأمر ليست طاعة قائمة بذاتها، كما يقول السلف بل هي طاعة مستمدة من طاعة الله، ومن طاعة رسوله، ولا طاعة لولي الأمر في معصيته لله ولرسوله، أي أن طاعة أولي الأمر في الشريعة طاعة مبصرة، وليست طاعة عمياء، والشريعة حكم على ولي الأمر، والعكس ممتنع، وهيئة كبار العلماء تخالف الشريعة حين تجعل ولي الأمر حكما على الشريعة.
لقد قرأت جل ما كتبه حسن البنا وعلماء الإخوان، فوجدتهم أحرص الناس على الكتاب والسنة، وأحرص الناس على دعوة الغافلين، وأنهم يولون العقيدة وتعاليم الإسلام عنايتهم، وإن علماءهم كالغزالي، وسيد سابق، والسباعي، والصواف، وغيرهم كانوا أساتذة لجل أعضاء هيئة كبار العلماء، ولا توجد جماعة إسلامية حديثة ومعاصرة اهتمت بالإسلام وأقضيته مثل ما اهتمت به جماعة الإخوان. ومن يهتم ببناء الرجال والقادة لا يجد وقتا لتأليف الكتب التي تحتاج لأوقات عزلة عن الناس!
إن اتهام فرد أو جماعة بانحراف يحتاج إلى بيان محدد بدليل من الكتاب والسنة، يحدد الانحراف، ومناطه، وماذا يخالف من أحكام الإسلام، وماذا قال السلف في مثل ذلك، ولا يجوز إرسال التهمة بناء على رأي سياسي، أو إرسالها دون أدلة، أو إرسالها مجملة بلا بيان تفصيلي، قابل للنقاش.
هذا وإنه لا توجد حرمة البتة في تأسيس أحزاب في الإسلام، والتنظيم والبيعة من مقتضيات قوة البناء وإن الاجتماع في تنظيم لمواجهة فتن العصر وانحرافاته أمر مشروع بأدلته الشرعية وقد بيَّنها سعيد حوى وفتحي يكن، وقد أفتى علماء السلف بنصرة محمد بن الحنفية في خروجه على الخليفة العباسي.