منذ صدر المرسوم الرئاسي بإجراء الانتخابات، ركب المسؤولون من حركة فتح على ظهر حصان المزايدات، وأطلقوا لتصريحاتهم العنان، وراحوا يتنافسون فيما بينهم بالتغريد، والتبشير، والتيسير، حتى صارت قضية رفع العقوبات عن غزة أهم ألف مرة من التوسع الاستيطاني، وأهم من اقتحامات المسجد الأقصى، فالفائدة الانتخابية التي ستعود على المسؤولين أكثر قيمة من تجارة شجب الاستيطان التي فقدت مضمونها.
رفع العقوبات عن غزة فتحت باب المزايدات، وصارت العنوان الذي يركب على ظهره المسؤول ليؤكد أنه في صلب القرار، وأنه يعمل لجل قضية الموظفين، وأنه شخصية مهمة، يطلع على دقائق الأمور، لذلك راح المسؤولون يوزعون البشائر، ويتنافسون فيما بينهم إلى الحد الذي ادعى فيه بعضهم أن صرف الرواتب كاملة سيكون من بداية شهر شباط.
وبقراءة متأنية لتصريحات المسؤولين من حركة فتح لاحظت ما يلي:
أولًا: يعترف جميع مسؤولي حركة فتح في قرارة أنفسهم بأن الإجراءات العقابية التي فرضت على سكان قطاع غزة كانت جريمة بشعة، وإنها كانت بفعل حقد دفين على صمود أهل غزة، وإن التخلص من جثة الجريمة ودفنها يجب أن يكون تحت شعارات الوحدة، والوطن الواحد.
ثانيًا: يحاول جميع المسؤولين أن يتقرب من الموظفين المعذبين، وجميعهم يحاول ان يسبق الأخرين في التبشير، بهدف التبرؤ من الجريمة، وادعاء الحرص على الوطن ومواطنيه.
ثالثًا: جميع المسؤولين لا يمتلك من أمره شيئًا، وغائب فيله، كما يقولون، وجميعهم ولا يؤثر في القرار، وينتظر، وهو يظن أن نجاح الانتخابات قرين رفع العقوبات، وطالما كانت الانتخابات على الأبواب، فالعقوبات خلف الظهر، لذلك أطلقوا العنان لتصريحاتهم الجوفاء.
رابعًا: لقد نسي هؤلاء المسؤولون أننا نتحدث عن جريمة، وعن إجراءات خارجة عن القانون، والأصل أن نعاقب الذي تسبب بها، وأن نحاسبه، وأن نعذبه العذاب الذي تعرض له 2 مليون فلسطيني، لا ذنب لهم إلا أنهم صمدوا في وجه المحتلين، وكان رئيسهم محمود عباس.
خامسًا: تؤكد المعطيات الموثوقة أن محمود عباس صاحب القرار الأول والأخير في كل ما يتعلق بفرض العقوبات على أهالي قطاع غزة، أو التخفيف منها، وعباس هو الوحيد الذي يعرف متى وكيف ترفع العقوبات، وهذا سر لم يعطه عباس لأحد، وهو لن يسمح لأحد بأن يركب ظهر الحصان الأبيض المسرج بالمنح والعطايا إلا في الموعد الذي يحدده، ومن تابع كلمة السيد عباس أمام المجلس الثوري قبل يومين قرأ الحقيقة، فقد تحدث عباس عن الوحدة، وعن الانتخابات، وعن المستقبل، وعن المفاوضات، وتحدث عن لقاءات القاهرة في غضون أسبوع، ولكنه لمن يتحدث عن رفع العقوبات عن غزة، وفي ذلك رسالة إلى مسؤولي حركة فتح الذين راحوا يوزعون البشائر عن قرب موعد صرف الرواتب كاملة، وهم يجهلون الحقيقة التي أخفاها عنهم رئيسهم محمود عباس، الحقيقة التي تقول:
سينتظر محمود عباس نتائج لقاء الأمناء العامين في القاهرة، فإن نجح الحوار، ووافقت التنظيمات على فكرة الانتخابات كما هي، ودون اعتراض، وقتها سيفكر عباس برفع العقوبات، أو تخفيفها، ولكن إذا فشلت لقاءات القاهرة، وطرح الأمناء العامون شروطهم السياسية والقانونية والإجرائية لإنجاح الانتخابات، وقتها لن يرفع عباس العقوبات عن أهل غزة، بل سيشددها، مع حملة إعلامية يحمل فيها المسؤولية لأولئك الذين لم يركبوا معه قارب الانتخابات، وهم بلهاء، ولم يركبوا معه عالي البحار المظلمة في تسول المفاوضات.
ملحوظة: حتى هذا اللحظة، لم يخرج أي مسؤول من حركة فتح، ويعتذر لأهالي قطاع غزة وموظفيها عن العقوبات التي فرضوها ظلمًا وتجبرًا!
وحتى هذه اللحظة لم يخرج من حركة فتح رجل واحد، يعترف بأن العقوبات كانت جريمة، ويجب محاسبة المسؤول عنها بالصفع على صدغيه بنعال المظلومين؟