على رغم شحّ اللقاحات المتوفّرة لديها ضدّ فيروس «كورونا»، تُواصل السلطة الفلسطينية بعزقة الجرعات التي حصلت عليها كمنحة من جهات دولية، تارة عبر إعطائها لمسؤوليها وعوائلهم، وطوراً عبر تصديرها لمصلحة حلفائها في الديوان الملكي الأردني، فيما لم يحصل الغزّيون سوى على نزر يسير منها
وأثارت الطريقة التي بدأت بها السلطة الفلسطينية توزيع اللقاحات المضادّة لفيروس "كورونا"، والتي حصلت عليها كمنحة من روسيا و"منظّمة الصحّة العالمية"،
حفيظة شرائح واسعة من الفلسطينيين في الضفة المحتلة، في ضوء اتهامات مُوجّهة إلى حكومة رام الله بتوزيع اللقاحات بعيداً من المعايير المهنية، واستئثار مسؤولين فيها بعدد منها دوناً عن المواطنين.
ودفعت اتهامات الفساد تلك، ومعها مطالبة "المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان" السلطة بتوضيح معايير توزيع اللقاحات، وزارة الصحة في رام الله إلى إعلان عدد اللقاحات التي وصلتها وعدد الذين استفادوا منها، الأمر الذي لم يكن مقنعاً بحسب المراقبين؛ إذ أعلنت الوزارة تسلُّمها 12 ألف جرعة من اللقاح، خُصّصت 9800 منها لمحافظات الضفة، بما يكفي لتطعيم 4900 شخص بواقع جرعتين لكلّ منهم، مبيّنةً أن ما نسبته 90% من مجمل لقاحات الضفة أُعطيت للكوادر الصحّية العاملة في أقسام العناية المكثّفة والطوارئ في المشافي الحكومية والخاصة، والعاملين في مراكز علاج «كوفيد - 19»، والعاملين في مباني وزارة الصحة في رام الله ونابلس.
أمّا بقية اللقاحات فتمّ توزيعها، بحسب الوزارة، على وزراء الحكومة، وأعضاء اللجنة التنفيذية لـ"منظّمة التحرير"، وأعضاء لجنة الانتخابات، ورجال الأمن في مقرّ الرئاسة ومجلس الوزراء، والمنتخَب الفلسطيني، بالإضافة إلى 100 طالب تلقّوا اللقاح لغاية السفر.
وتخشى السلطة من تأثير اتهامات الفساد المُوجّهة إليها على صورتها أمام المانحين و"منظّمة الصحّة العالمية"، التي تشترط أن يتمّ توزيع اللقاحات وفق معايير واضحة وأولويات محدّدة، وخاصة أن ثبوت تلك الاتهامات قد يدفع إلى تأخير وصول منح أخرى وفق آلية "كوفاكس" لتوزيع اللقاحات.
لكن إعلان وزارة الصحة أثار ضجّة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي ولدى مراكز حقوق الإنسان الفلسطينية، حيث اعتُبرت تبريراتها تأكيداً للمعلومات التي تمّ تداولها أخيراً حول وجود محسوبية في توزيع اللقاح، وإعطائه لأشخاص ليسوا ذوي أولوية بحسب التصنيفات العالمية.
وتزايدت الضجّة مع إعلان وزارة الصحّة إرسال 200 جرعة من اللقاح إلى الديوان الملكي الأردني بطلبٍ من الأخير، وبموافقةٍ من مكتب رئيس السلطة محمود عباس، وذلك في ظلّ شحّ اللقاحات وحاجة الفلسطينيين إليها، وازدياد أعداد الإصابات والوفيات بشكل ملحوظ في الضفة الغربية.
وبحسب مصادر في السلطة، فقد أُرسلت اللقاحات إلى الديوان الملكي الأردني بعد تواصُل مسؤولين مقرّبين من عباس مع السلطات الأردنية، وطلبهم إليها السماح بإدخال لقاحات لأفراد عائلة "أبو مازن" الموجودين في المملكة، وخاصة لزوجته وأبنائه وأحفاده، الأمر الذي وافقت عليه عمّان وأرفقت به طلباً بتزويدها بـ 200 جرعة لمصلحة الديوان الملكي.
كذلك، حصل عدد من أقارب المسؤولين في رام الله على اللقاح، بِمَن فيهم زوجات وزراء وقيادات في السلطة وحركة "فتح" وأبناؤهم، بحسب مصادر في وزارة الصحة.
وهو ما يتوافق مع إعلان "الهيئة المستقلّة لحقوق الإنسان" رصدها لحالات تمّ فيها إعطاء اللقاح بناءً على الوساطة والعلاقات الشخصية، من دون أن تكون هناك أولوية طبّية مبررة، فضلاً عن قيام متنفّذين بمساعدة أقاربهم في الحصول على اللقاح بلا أيّ مبرّرات طبّية أيضاً.
وعلى رغم شحّ اللقاحات التي وصلت إلى السلطة، حصل عدد من الإعلاميين التابعين للأخيرة على اللقاح، متجاوزين فئاتٍ صاحبة أولوية.
وبرّر المتحدّث باسم الحكومة في رام الله، إبراهيم ملحم، تلك التجاوزات بالقول إنها «تحصل في أيّ دولة، وما حدث هو تشجيعٌ للمواطنين على تلقّي اللقاحات»، في ظلّ ضعف إقبالهم عليها.
ومع بداية العام الجاري، تَسلّمت السلطة، بشكل سرّي، 200 لقاح من دولة الاحتلال مصدرها شركة "فايزر"، بما يكفي لـ 100 شخص. وأُرسلت تلك الجرعات إلى المستشفى الاستشاري في رام الله، من دون علم وزارة الصحة، لمصلحة مكتب عباس الذي تلقّى اللقاح وعدداً من المسؤولين المحيطين به الذين يجتمعون معه بشكل دوري، وآخرين يعملون في مكتبه الخاص، بحسب مصدر في السلطة.
في المقابل، أثار إرسال رام الله 2000 جرعة من اللقاحات ــــ من أصل 12 ألف جرعة وصلتها ــــ إلى قطاع غزة، حفيظة سكّان القطاع، على اعتبار أن ذلك يُمثّل فعلاً عنصرياً ضدّ الغزّيين الذين ينصّ القانون الفلسطيني على أن تكون نسبتهم من أيّ أدوية أو دعم يصل السلطة 40%.