قررت حكومة الاحتلال الإسرائيلية عدم إبداء أي تعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، من جهة، والعمل على تجييش الرأي العام الدولي ضد المحكمة من جهة أخرى، خصوصا حلفائها الموقعين على ميثاق روما، وسط ممارسة ضغوط قصوى على المدعي العام الجديد، البريطاني كريم خان.
وفي هذا السياق، عقد وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، مساء الخميس، جلسة مشاورات بحضور المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، ومدعي النيابة العسكرية، شارون آفيك، بمشاركة مسؤولين آخرين.
وبحسب القناة العامة الإسرائيلية ("كان 11")، فإنه وفقا لمخرجات الاجتماع، فإن إسرائيل ستمتنع كليا عن التعاون مع إجراءات التحقيق، في المقابل، ستسارع إلى الرد على الإخطار المرتقب من مكتب المدعية العام للجنائية الدولية، بالادعاء أن "المحكمة لا تملك صلاحية للنظر في القضية، لأن فلسطين ليست دولة"، بالإضافة إلى الادعاء أن بعض جرائم الحرب الإسرائيلية التي ستكون مادة للتحقيق، "خضعت بالفعل لتحقيق إسرائيلي داخلي".
ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن التعاون مع المحكمة والسماح لممثليها بدخول البلاد لإجراء التحقيق، سيقيدها لاحقا ويمنعها من إمكانية التنصل من نتائج التحقيق؛ كما أن الحكومة الإسرائيلية تلقت نصائح من حلفائها بعدم التعاون مطلقا مع المحكمة، لإتاحة المجال أمام هذه الدول للعمل على الضغط في محاولة لإلغاء التحقيق.
وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن المدعي العام الجديد الذي انتخب للسنوات التسع المقبلة، البريطاني كريم خان، الذي من المفترض أن يحل محل المدعية العامة في المحكمة، فاتو بنسودا، في حزيران/ يونيو المقبل، سيوكل بالنظر في الرد الإسرائيلي، وبالتالي قد يقرر، على عكس بنسودا، قبول الحجج الإسرائيلية.
وشددت القناة العامة الإسرائيلية على أن إسرائيل ستحاول طلب مساعدة الدول الأعضاء للضغط على المحكمة لتغيير القرار وإلغائه. وخلص المختصون القانونيون الذين شاركوا في جلسة المشاورات التي عقدها غانتس، إلى أنه "لن يتم إصدار مذكرات اعتقال (ضد مسؤولين إسرائيليين) خلال الفترة القريبة المقبلة".
في المقابل، انتقد المستشار السياسي والدبلوماسي الإسرائيلي، ألون بنكاس، رد فعل الحكومة الإسرائيلية وإستراتيجية تعاطيها مع قرار قضاة محكمة لاهاي، وذلك في مقال نشر في صحيفة "هآرتس"، مساء الخميس.
ورأى بنكاس أن رد فعل المسؤولين الإسرائيلي "غير حكيم" على أقل تعبير، وأن الادعاءات التي طرحوها في ردودهم "ليست ذات صلة في سياق الحجج القانونية للدفاع عن الموقف الإسرائيلي"، ولا ترقى لأن تكون حملة "هسبراه"، مشددا على أن "هذه ليست الطريقة التي يبني بواسطتها الدفاع القانوني".
وقال: "كما أنه لا ينبغي لإسرائيل الدخول في حالة هلع وهستيريا وتخوف من الإجراءات المتعلقة بالتحقيق، فإنه ينبغي عليها، بالمقابل، ألا تستهتر بالمحكمة والتقليل من شأنها"، وأشار إلى أن "التحقيق سيستغرق بعض الوقع فيما سيستلم المدعي العام الجديد منصبه في حزيران/ يونيو المقبل"، وأضاف أنه "من غير الواضح كم من الوقت والموارد سيخصصها خان لهذا التحقيق مقارنة بالتحقيقات الأخرى التي سيحقق بها، والتي قد تكون ذات أولوية بالنسبة له".
من جهة أخرى، اعتبر خان أنه "إذا استمرت إسرائيل في مهاجمة المحكمة في محاولة للنيل منها، والطعن في سلطتها والامتناع عن التعاون معها - كما فعل (رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين) نتنياهو، بتحدٍ، خلال السنوات الخمس الماضية، فإن الضرر المحتمل لن يكون قانونيًا فقط ولكن سياسي أيضًا". وقال إنه "على الرغم من أن التحقيق يركز على فترة حزيران/ يونيو 2014، إلا أنه يمكن توسيع نطاق الاختصاص ليشمل جميع الأراضي الفلسطينية. هذا بالضبط ما يُعرَّف بـ‘تدويل النزاع‘ من خلال محكمة لاهاي، والطريق من هناك إلى الأمم المتحدة ليس بعيدًا".
وأشار إلى أن إستراتيجية الدفاع الإسرائيلية يجب أن تراعي ثلاثة محاور: القانونية، والدبلوماسية والجماهيرية والسياسية. فيمل يتعلق بالمحور السياسي، أوضح أن إسرائيل انضمت رسميا إلى ميثاق روما في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2000، غير أنها لم تصادق على انضمامها للميثاق وعبرت عن اعتراضها على إمكانية "تسييس المحكمة وقراراتها ونشاطاتها" وأن تتحول المحكمة إلى "ساحة نزاع سياسي وعدم خلوها من الاعتبارات الخارجية"، واعتبر أن إسرائيل يجب أن تركز على الحجج التي قدمتها لاعتراضها على ميثاق روما ونظام روما الأساسي الذي بموجبه أقيمت المحكمة.
وأشار إلى أن هوم نتنياهو المتواصل على الجهاز القضائي الإسرائيلي قد يؤدي إلى تشكيك المحكمة بمصداقية التحقيقات الداخلية التي أجرتها إسرائيل حول جرائمها في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ما قد يؤدي إلى انتزاع الشرعية عن هذه التحقيقات التي أجريت أساسا لمنع تحقيقات دولية محتملة.
وشدد بنكاس على نجاعة إستراتيجية اعتماد إسرائيل على حلفائها الغربيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية، وقال إن "الولايات المتحدة ليست عضوا في ميثاق روما، لكن تأثيرها في المحافل والمؤسسات الدولية حاسم"، وأشار إلى وقوف المسؤولين في إدارة بايدن إلى جانب إسرائيل وطعنهم في سلطة المحكمة وصلاحيتها في المناطق الفلسطينية المحتلة.
كما شدد على أن إسرائيل، بموجب التحقيق الدولي في جرائم الحرب التي ارتكبتها، ستحتاج إلى "دعم سياسي أميركي متواصل"، مشيرا إلى أن ذلك "يتطلب تشابك العلاقات الإسرائيلية مع الإدارة الأميركية الجديدة وإبداء الاستعداد في التعاون في قضايا أخرى على رأسها: النووي الإيراني، والتوتر في العلاقات الأميركية مع السعودية والانصياع إلى الضغوط الأميركية الوشيكة المتعلقة بالمصالح والاستثمارات الصينية في إسرائيل، وختم بالتشديد على أنه "لضمان استمرار الدعم السياسي والعملي من الولايات المتحدة في مسألة التحقيق الدولي، ستكون إسرائيل مطالبة بدعم الولايات المتحدة في هذه القضايا".