بهتافات جهادية حماسية، وبحشد جماهيري مهيب، وبمشاعر جياشة وحناجر ملتهبة، شيّعت الضفة المحتلة وبلدة كوبر في رام الله جثمان القائد الكبير عمر البرغوثي "ابوعاصف" الذي قضى ما يقرب من نصف عمره (30 سنة) في سجون الاحتلال، ونصفه الآخر قضاها جهاداً في سبيل الله ما بين مقارعة للعدو وتحشيد وتنظير وتوعية بفكرة الجهاد والمقاومة.
رحل أبوعاصف عن عمر يناهز 67 عاماً، وترك خلفه إرثاً كبيراً على مستوى الجهاد والتضحية، والبذل والعطاء، والثورة والفداء، فهو سليل عائلة شريفة مجاهدة قدّمت في سبيل الله الغالي والنفيس، حتى باتت غصة في قلوب جيش العدو وقادته، كيف لا وهو المجاهد الشاب الذي نفذ عملية قتل ضابط صهيوني هو وشقيقه نائل وهو في عمر 23 عام، حيث ما زال شقيقه نائل "عميد الأسرى" معتقلاً حتى الآن ليدخل عامه الـ 40 في سجون العدو.
قبل عامين ارتقى نجله (صالح) شهيداً بعد تنفيذ عملية اطلاق نار على دورية صهيونية قرب رام الله، بينما اعتقلت قوات الاحتلال نجله الآخر (عاصم) بتهمة تنفيذه عملية إطلاق نار قرب مغتصبة (جفعات أساف) شرق رام الله، أدت إلى مقتل 3 جنود صهاينة وإصابة آخر بجراح، وذلك بعد ساعات من اغتيال الاحتلال المجاهديْن، شقيقه صالح، والبطل المطارد أشرف نعالوة، حيثُ حكمت محكمة الاحتلال على نجله عاصم حكماً قاسياً، بالسجن المؤبد اربع مرات (400 عام) بعد تنفيذ عمليته "جفعات آساف" ومساعدته لشقيقه صالح في التخطيط وتنفيذ عملية عوفرا.
وعلى إثر ذلك، تعرّض "ابوعاصف" وأفراد عائلته جميعاً بما فيهم زوجته الصابرة المحتسبة "أم عاصف" للاعتقال والتعذيب في سجون الاحتلال، كما هدم الاحتلال منزلي نجليه، إمعاناً في قهره وقهر عائلته على مواقفه الجهادية المشرّفة، لكن زوجته "أم عاصف" وقفت على ركام منزل نجلها الأسير "عاصم" يوم هدمه - إذ كان زوجها معتقلاً- متحديةً الاحتلال قائلة: "نحن أصحاب الأرض ونحن أصحاب الحق، وإذا هدموا بيوتنا، ما بيهدموا عزيمتنا، والاحتلال إلى زوال"
ارتقى القائد المجاهد "أبوعاصف" إلى ربه صابراً محتسباً بعد صراعٍ مع المرض يوم الخميس 28 مارس، إثر إصابته بفايروس كورونا؛ شاكياً إلى ربه ظلم الخصوم وقهر الأعداء، وتآمر بني الجلدة وتخاذل الأصدقاء، وكان من أجمل وأرقى ما سمعتُ على لسانه بيتاً من الشعر، معبراً فيه عن ثباته على طريق ذات الشوكة قائلاً:
لما سَلكنَا الدربَ كنا نعلمُ..
أنَّ المشانقَ للعقيدةِ سُلّمُ..
لله دركم يا عائلة البرغوثي المجاهدة الصابرة، تحملتم من التضحية والعذاب والمعاناة ما تعجز عنه الجبال الراسيات، وما زلتم تقدمون الغالي والنفيس بكل حبٍ ورضى واقدام في سبيل الله تعالى لإعلاء كلمة الله وتحرير أرضنا المقدسة.
وتمضي قوافل الشهداء بشجاعة وإقدام، ويستمر الصراع بين الحق والباطل دون إِحجام، فيا لسعادة من ثبتَ على هذا الطريق الصعب، ويا لتعاسة من خذل شعبه وأمته فحاد عن الدرب!
ويبقى الصادقون المخلصون على ثقة بموعود الله، لا يضرهم من خذلهم ولا ما أصابهم من لأواء، وهم كذلك حتى يقضي الله أمره بالنصر والتمكين والفرج القريب.