لاحظنا خلال سنوات الصراع السياسي بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال أن السلطة لا تستنفر طاقاتها ولا تتخذ قرارات صعبة وجدية ضد الاحتلال إلا في حالة واحدة فقط وهي منع تحويل مستحقاتها من الضرائب، وأحيانًا تتخذ إجراءات شبيهة ولكن مؤقتة بسبب الإحراج كما حصل في صفقة القرن، ولكنها تراجعت عنها دون أن تتراجع أمريكا عن أي خطوة أقدمت عليها، وأهمها نقل سفارتها إلى القدس المحتلة.
لو أن السلطة الفلسطينية تتعامل مع بقية جرائم الاحتلال كما تتعامل مع جريمة منع تحويل أموال الضرائب لاختلف الوضع تماما في الضفة الغربية وفي قطاع غزة أيضًا، أي لو أن السلطة تعد حصار غزة جريمة عظيمة لقطعت كل علاقاتها مع الاحتلال وأوقفت التنسيق الأمني حتى يرفع الحصار عن قطاع غزة، ولو أنها تفعل الشيء ذاته ردًّا على جرائم الاستيطان والقتل والهدم واعتقال المرشحين الفلسطينيين لانتخابات المجلس التشريعي وعرقلة الانتخابات في القدس، لتغيرت الأوضاع لصالح شعبنا الفلسطيني.
نحن ضد اتفاقية أوسلو، ولكن ما المانع من استغلال هذا الشيء السيئ ما دام أصبح واقعا لتحسين الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ لماذا لا تصر السلطة الفلسطينية على محاسبة المحتل الاسرائيلي على جميع الانتهاكات وبأسلوب يفضح الاحتلال ويجبره على التراجع؟ سبق وأن قلنا.. نحن لا نطلب من السلطة الفلسطينية أن تعلن الحرب على الاحتلال لأنه ليس بمقدورها، فضلا عن تخليها أساسا عن المقاومة الخشنة وتجميدها المقاومة الناعمة، فنحن في ظل السلطة لا نرى أي نوع من أنواع المقاومة، حتى الهبّات الشعبية تكون مبرمجة وتحت السيطرة ولمدة قصيرة جدًّا بحيث تعطي رسالة للاحتلال ولا تعطي المجال لتسخين الشعب وتعويده على مقاومة الاحتلال.
إن تجربة الانتخابات الفلسطينية تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن قطاع غزة فيه من السيادة والحرية ما يكفي لإنجاح أي عملية انتخابية، ولا يمكن للاحتلال التدخل فيها بأي شكل من الأشكال، أما في الضفة فلا يحصل شيء ضد إرادة المحتل، فـ"إسرائيل" تمنع أي نشاط في القدس يتعلق الانتخابات، وهي تعتقِل أو تهدِّد بالاعتقال لكل مرشح أو ناشط في مجال الانتخابات وخاصة ممن يحسبون على قائمة " القدس موعدنا"، وهذا التدخل يفسد العملية الانتخابية، ولكن في الوقت ذاته يثبت أن وجود حماس حتى ولو في المجلس التشريعي يشكل تهديدا للكيان الإسرائيلي الغاصب، وهذا دليل على يأس الاحتلال من تنازل حماس عن أي من مبادئها، وعلى رأس ذلك الاعتراف بشرعية الاحتلال لأي شبر من فلسطين.