بقلم/ أيمن تيسير دلول
كاتب وإعلامي فلسطيني
لا يعني المواطن الفلسطيني كثيراً ما احتواه خطاب رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس حركة "فتح" محمود عباس، ولن يكترث كثيراً بعد الآن بما احتواه مرسومه في اليوم الثاني من إلغائه للانتخابات التشريعية الفلسطينية فقد "وقعت الفأس في الرأس" كما يقولون وحالة المواطن أصعب من الاهتمام بمحتوى غير لائقٍ من زعيم، والغضب والاستنكار والحشود والمؤتمرات واللافتات أو اليافطات فلن تدفع "عباس" المتمسك بالكرسي حتى الموت لأن يشعر بالقلق!!
السؤال الأهم الذي يدور في خُلد المواطن الفلسطيني بعدما جرى وبعد نكسة جديدة تلقاها من "عباس" صاحب الانتكاسات الكثيرة للشارع الفلسطيني، ما هي الخطوة التالية للتعامل مع الواقع الفلسطيني الراهن؟ فعباس الذي يغتصب السلطات كافة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً لم يستمع لأحد من الذين نصحوه سراً أو علناً للجلوس على طاولة واحدة للبحث في خيارات إنجاح الانتخابات في القدس رغمَ أنف الاحتلال الإسرائيلي، بل أصر على العمل بنظريته المعروفة والمعهودة "لا أُريكم إلا ما أرى"..
وكي لا ننسى ولأن المحطات التاريخية والمفصلية التي تجمعنا بهذا الرجل غصباً عنا كثيرة، فالكثير من النكسات والمآسي والآلام التي نحياها إنما هي ناتجة من إصراره على عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات الفلسطينية التي جرت عام 2006م وأظهرت أن الشارع لم يجعله وخياره في المقام الأول آنذاك، ويبدو أننا مقبلون على واقعٍ سيكونُ صعباً بعدما انقلب ذات الشخص على نتائج انتخابات عام 2021م قبل حدوثها أصلاً.
وعودٌ على بدء وكي لا تتوه بوصلتنا في هذا المقال، لن أتحدث كثيراً في توصيف الواقع فالتوصيف يُجيده الكثير منا ونحن نحتاج الحلول أكثر من رغبتنا بقراءة الواقع، وسأحاول البحث من خلال هذه السطور عن مخارج لأصحاب القرار في بلادنا لعلها ترشدهم للتقدم بواقعنا الفلسطيني إلى الأمام بدلاً من استمرار بقائنا في مكاننا نندب حظنا العاثر في وجود "عباس".
كل الشعب أدرك حقيقة ما يجري بفصائله أو قوائمه الانتخابية المختلفة، وعليه فقد آن أوان أن نتأكد أياً من هؤلاء كان إقدامه على التنافس في الانتخابات التشريعية جاء للحفاظ على الثوابت الفلسطينية وخدمةً للمواطن الفلسطيني وليس بحثاً عن مصالح شخصية تحت قبة البرلمان، لذلك فالجميع مُطالب للمشاركة في حمل هم الوطن والقضية بعيداً عن عباس.
لم يبقَ حول عباس سوى مجموعة من الطبالين أصحاب المصالح من قبيل الرواتب أو بطاقات VIP وغيرها من المطامح والمطامع، ولذلك فالمفترض خلال الفترة المقبلة عدم الالتفات لوجوده في المشهد السياسي الفلسطيني والعمل على تجاوزه من الكل الفلسطيني، بل وإمكانية تجريم من يتواصل معه.
في قطاع غزة ينبغي تشكيل مجلس من الأحزاب كافة والقوائم الانتخابية تكون مهمته الأساس النهوض بالواقع الغزي من حيث تعزيز مبدأ الحكم الرشيد وتطوير الاقتصاد الداخلي زراعة وصناعة ودعم للمشاريع القائمة في قطاع غزة من خلال استغلال الموارد المتوفرة اعتماداً على العدالة والمهنية في توزيع وتكافؤ الفرص. لنقتسم اللقمة بيننا سواءً كانت مغمسةً بالزعتر أو حتى بالسمن ونسعى إلى العدالة في ذلك ما استطعنا لذلك سبيلا.
أما في الضفة الغربية والقدس المحتلة، فالواقع صعب صحيح أنتم تعيشون بين نار التنسيق الأمني للسلطة وبين اعتداءات الاحتلال الصهيوني هذا صحيح، لكن الضريبة التي يمكن أن تدفعونها في حال السكون والسكوت على الوضع الراهن ستكون أكثر أضعافاً مضاعفة من الثمن الذي يمكن أن تقدمونه في حال المقاومة والمواجهة، وهنا أقصد مقاومة التنسيق الأمني ومقاومة الاحتلال على حد سواء. الأهم ينبغي أن تكونوا على يقين بأن الدم الذي يمكن أن تقدموه لفلسطين الوطن والقضية سيكون مهراً متواضعاً بالنسبة لهما لكنه على الجانب الآخر سيكونُ رافعةً لكم من جديد، وهي رافعة ستجعلكم تتقدمون بشكلٍ لم يخطر على بالكم، ولتنظروا على فخركم بأنفسكم خلال الفترة القريبة الماضية حينما زمجر أسودكم بمقاومةٍ شعبيةٍ فقط أربكت حسابات قادة الاحتلال، والسؤال: كيف ستتغير الصورة لصالحكم لو تحركَ السلاح بين أيديكم وأصبحت وجهته لصدر المحتل بدلاً من بقائه للمشاكل العائلية؟
إن الهتافات التي صدحتم بها لغزة ولمقاومتها خلال الأيام الماضية لم تكن وليدة شيء وإنما هي النبات الطبيعي للدماء والتضحيات التي قدمتها غزة خلال الفترات الماضية، وأنتم لن تتمكنوا من الإفلات من قبضة "عباس" وأجهزة أمنه والاحتلال وسياساته الإرهابية إلا بالدماء والتضحيات واقرؤوا تاريخ آبائكم وما صنعوه بهذا المحتل في الفترة الممتدة بين الأعوام 2001 و 2004.
إن الواقع الذي يعيشه الاحتلال هذه الأيام من التشتت والاختلاف وغياب الوحدة الداخلية ليعتبرُ حافزاً مهماً بإمكانه جعل إمكانية النهوض الفلسطيني بعيداً عن "عباس" أفضل كثيراً مما كان عليه الأمر قبل سنوات، امضوا وتقدموا ولا تقفوا في أماكنكم بحثاً عن مكانٍ في قلب "عباس" فقلبه لن يتسع لكم إلى جانب من يعزي بصريعهم أو يدعوا بطول العمر لزعيمهم.