17.52°القدس
17.26°رام الله
16.64°الخليل
21.42°غزة
17.52° القدس
رام الله17.26°
الخليل16.64°
غزة21.42°
الجمعة 22 نوفمبر 2024
4.68جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.89يورو
3.71دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.68
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.07
يورو3.89
دولار أمريكي3.71

حروب بلا دماء

القوى العظمى تتسابق لتطوير "فيروس الشلل" الخطير

تتسابق القوى العظمى في العالم نحو امتلاك "فيروس الشلل" الذي سيكون كلمة السر في الحروب المستقبلية، إذ بإمكانه أن يوجه ضربة شديدة الخطوة للعدو، من دون أن يحدث دمارا أو تسال قطرة دم.

والحديث هنا عن "الهجمات الإلكترونية"، التي سلطت سلسلة منها في الدول الغربية الضوء على مكامن الضعف لدى الشركات والهيئات الحكومية، وعلى الرهان الذي يشكله مجال يصعب التحكم به في العقود المقبلة، وفق وكالة الصحافة الفرنسية "أ ف ب".

وكان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أصدر قبل فترة قصيرة مرسوما عاجلا يطلب من الإدارات تعزيز الأمن الرقمي بعد سلسلة من الهجمات المقلقة.

ويمكن بهجوم إلكتروني إحداث شلل تام في أي قطاع خدمي أو حذف بيانات وإحداث إرباك كامل في الدولة.

وإلى جانب عملية القرصنة التي استهدفت نهاية 2020 شركة "سولارويندز" لتصميم برمجيات الإدارة المعلوماتية، شهدت الولايات المتحدة، الدولة الأولى عالميا في الفضاء الافتراضي، قبل فترة قصيرة شللا تاما أصاب شركة "كولونيال بايبلاين" المشغلة لخطوط أنانيب رئيسية في البلاد.

مطالب بتحالف دولي ضد هذه الهجمات

إلا أن الولايات المتحدة ليست الوحيدة المعرضة لهذه الهجمات. فالمملكة المتحدة تطالب بتحالف دولي ضد الهجمات الالكترونية، متهمة بلدانا مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية بالوقوف وراءها.

من أكثر الهجمات السيبرانية شيوعا "هجمات الحرمان من الخدمات" أو "هجوم حجب الخدمة" (Denial of Service)، وهي هجمات تتم عن طريق إغراق المواقع بسيل من البيانات غير المهمة، يتم إرسالها على المواقع المستهدفة بشكل كثيف، ما يسبب بطء الخدمات، أو زحاما مروريا بهذه المواقع، ينتج عنه صعوبة وصول المستخدمين لها بسبب هذا "الاكتظاظ المعلوماتي".

ورأت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، أخيرا أن الهجمات التي تعرضت لها فرنسا زادت أربع مرات في غضون سنة.

لكن ما مرد هذا الضعف؟

تقول سوزان سبولدينغ، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، لـ"فرانس برس": "لقد شهدنا عددا كافيا من الهجمات الالكترونية لكي يدرك الجميع خطورة وأهمية هذه المسألة".

وتضيف "لم تعطَ هذه المسألة أولوية كافية"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنه من الصعب اقناع أصحاب القرار بضرورة الاستثمار لاتقاء تهديد محتمل. وتشير إلى مقولة باتت مستخدمة كثيرا في صفوف المحللين ومفادها "أن ثمة نوعين من الشركات في العالم: تلك التي تعرضت للقرصنة وتلك التي لم تدرك الأمر بعد".

مواجهة كامنة

في المقابل هذا الادراك بات قويا في صفوف الجيوش. فقد استحدثت كل القوى العظمى قيادة للهجمات الالكترونية. ويقول جوليان نوسيتي الباحث في معهد البحث الرقمي في جامعة باريس 8 "منذ العقد الأخير بات ذلك ضمن مجموعة الأدوات المتوافرة للجيوش وأجهزة الاستخبارات في إطار مواجهة ليست بالضرورة مفتوحة إلا أنها كامنة".

ويضيف لـ"فرانس برس": "الفضاء الالكتروني هو في آن عملي جدا وغامض جدا لأنه يسمح بإزالة الحدود نوعا ما بين العالم المدني والعالم العسكري وبين إطار الحرب وإطار السلم وبين الدول والمجموعات التي تشكل شبه دول والقطاع الخاص".

في العقد الأخير حصلت انعطافة في الادراك الغربي مع التدخلات في الانتخابات الأميركية والهجوم في مقابل فدية نوتبيتيا الذي نسب إلى روسيا والبرمجية الخبيثة "واناكراي". ودفع ذلك الغربيين إلى تعزيز دفاعاتهم وتطوير أساليب الهجوم.

ويرى جوليان نوسيتي "تصنف أوروبا والولايات المتحدة أحيانا كثيرة على أنهما ضحية وأنهما الأخيار في هذه المسألة (..) لكنهما لا تكتفيان بالدفاع. فثمة نقص في التحاليل حول عملياتنا" مشيرا إلى أن "الموضوع يعتبر من المحرمات نوعا ما بسبب الرابط الوثيق مع الاستخبارات".

ورغم إسراع الدول الغربية إلى توجيه أصابع الاتهام إلى المتشبه فيهم المعتادين، أي موسكو وبكين وبيونغ يانغ وطهران، لا يمكن لأحد أن يملي دروسا على الآخر. فقد دخل الفضاء الالكتروني إلى كل أجهزة الاستخبارات. ويقول مسؤول فرنسي رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن اسمه "الأمر أشبه بالوضع الذي كان قائما في الغرب الأميركي: فلا أصدقاء لك فيه وكل الضربات مشروعة".

لكن، هل كل الضربات مسموحة؟ السؤال مطروح. وفي هذا الإطار اجتمع فريق من الخبراء الحكوميين من 25 دولة مرات عدة في العقد الأخير في إطار الأمم المتحدة في محاولة لتحديد الخطوط الحمر.

منزل من زجاج

يمارس الجميع التجسس. لكن سوزان سبولدينغ تؤكد وجود "نشاطات مسؤولة وأخرى غير مسؤولة". وتشير مساعدة وزير الأمن الداخلي الأميركية السابقة إلى روسيا موضحة "لا يمكن قطع التيار الكهربائي عن أوكرانيا في نهاية فصل الشتاء. هذا غير مقبول"، بحسب الوكالة.

هذه المفاوضات متوقفة راهنا فيما لا يبشر ترجيح الميل الهجومي على الميل الدفاعي بالخير على صعيد التوازن العالمي.

يقول فاديم كوزيولين الباحث في الأكاديمية الدبلوماسية في موسكو لوكالة "فرانس برس": "نعيش في منزل من زجاج. على جميع الدول أن تتذكر أننا جميعا مترابطون. فالنزاع المفتوح سيكون مدمرا ليس فقط للعدو بل للمهاجم أيضا"، آملا في أن يصبح المجال الالكتروني سلاح ردع فقط.

أما آدم سيغال، مدير البرنامج الرقمي والفضاء الالكتروني في مجلس العلاقات الخارجية وهو مؤسسة بحث أميركية، فيشير إلى أن قلة من الدول قادرة على تصميم برمجية شبيهة بـ"ستاكسنت" وهو فيروس نسب إلى الأميركيين والإسرائيليين أدى في العام 2010 إلى سلسلة من الأعطال في مجمع إيراني لأجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في تخصيب اليورانيوم.

ويشير إلى أن السلاح الالكتروني "ليس من أسلحة الدمار الشامل" إلا إنه يبقى سلاحا ولم يعد أي طرف يستبعد أن يؤدي هجوم تقليدي إلى الرد بهجوم إلكتروني. وسيغال مقتنع بذلك موضحا أن "أحد أسباب عدم تبادل الولايات المتحدة وروسيا والصين قطع الكهرباء في بلدانهم، هو الخوف من ردة الفعل".

محاولات لمواجهة الهجمات

ومن أوجه الحماية التي تطبقها الدول لتقليل الهجمات التي تتعرض لها منصاتها، حصر تقديم الخدمات داخل الدولة، لتسهل مراقبة ومعرفة شبكة المخترقين، ومنع من هو خارج سلطة نظامها الأمني من الولوج إلى المنصة، وهي طريقة مفيدة تطبقها بعض الدول العربية في بعض الحالات.

ويتوجب العلم بأن هناك يومياً عشرات الآلاف من الهجمات السيبرانية التي تستهدف كل القطاعات في الدول، ويحتل القطاع المالي المركز الأول من حيث عدد الاستهدافات.

وما يزيد من خطورة الأمر في المستقبل أن شبكة الإنترنت أصبحت توفر حاليًا الربط لحوالي 4.57 مليار مستخدم في أرجاء العالم، وهو ما يؤسس فضاءً مفتوحًا يمكن التحرك فيه بكل سهولة، ودون ترك أثر واضح، مثلما يحدث في العالم المادي، لمهاجمة المنشآت الحيوية لدولة ما، واستهداف أنظمتها والتأثير في ساستها بتكلفة أقل ونتيجة أعلي وأدق من الهجمات بسلاح تقليدي أو نووي.

ويدفع القلق من الاستهداف، الذي قد يطاول بيانات المواطنين، البعض إلى معارضة التحول الرقمي من أساسه، والنظر إلى طريقة تقديم الخدمات بالأسلوب التقليدي على أنه الأسلوب الأكثر أماناً، وإن لم يكن أكثر سلاسة.

إلا أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في الشبكة الرقمية، بل في درجة الاهتمام بها، إذ تعمد الأنظمة ذات الكفاءة إلى رفع جودة الحماية في الأنظمة، وتعيين أقسام خاصة في الشركة أو الجهة، مهمتها التأكد من سلامة الأنظمة وحمايتها، وهو ما يسمى قسم الأمن السيبراني.

وكالات