أجمع محللون ومراقبون أن كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" وجهت لكمة مباشرة بل ضربة صاعقة للقيادة الإسرائيلية في توقيت سياسي وميداني بالغ الخطورة والحساسية أرادت من خلاله إيصال العديد من الرسائل، وتحقيق مكاسب أخرى، بعد نجاحها في تحقيق صورة النصر أمام جيش الاحتلال في معركة القدس الأخيرة.
وبثت قناة الجزيرة الفضائية مساء أمس في برنامج "ما خفي أعظم"، والذي يُقدمه الإعلامي الفلسطيني تامر المسحال، حلقة خاصة حملت عنوان "خلف خطوط العدو"، والتي كشف فيها القسام أسرارا عسكرية لأول مرة، حول تسجيل صوتي لأحد الأسرى الموجودين حاليا في قبضة المقاومة ومشاهد جديدة حول عملية أسر الجندي الإسرائيلي شاليط.
كما تباينت ردود الأفعال الإسرائيلية على ما جاء في برنامج "ما خفي أعظم" وخاصة مشاهد الجندي الأسير السابق جلعاد شاليط، وصوت أحد الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة.
التداعيات على المستوى السياسي الإسرائيلي
وقال المختص في الشؤون الإسرائيلية عدنان أبو عامر إن "القسام نجح في إرسال رسالته للحكومة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي بما تم عرضه على قناة الجزيرة، مؤكدا أن ذلك سيكون له ما بعده في التفاوض مع الاحتلال حول صفقة تبادل جديدة".
وأضاف أبو عامر في حديث خاص لوكالة "فلسطين الآن" بأن المقاومة بعثت برسالة مزدوجة للشعب الفلسطيني وللجبهة الداخلية الإسرائيلية بقدرتها على الاحتفاظ بالأسرى الموجودين حتى الوصول إلى صفقة تبادل مشرفة".
وتوقع أبو عامر بأنه قد لا تتخذ الحكومة الإسرائيلية قرارات جديدة بشأن صفقة التبادل في الوقت القريب؛ لأن ذلك القرارات تعتبر حساسة ومصيرية.
وأشار الكاتب والمحلل السياسي أحمد أبو زهري إلى أن "كتائب القسام اختارت التوقيت بعناية لبث هذه الرسائل من خلال تحقيق الجزيرة عبر برنامج (ما خفي أعظم)، خصوصا في ظل الازمة السياسية التي يعيشها الكيان، وقرب المصادقة على الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وتفاقم أزمات رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو".
وأضاف أبو زهري في حديث خاص لوكالة "فلسطين الآن" أن "التسجيل الصوتي هو أحد أهم وأبرز الرسائل التي استهدفت كلا من: المستوى السياسي، وقيادة المنظومة الأمنية، والمجتمع الإسرائيلي، وهو تأكيد على أن هناك جنود أحياء بيد المقاومة وهذا يعني أن الحكومة الإسرائيلية كانت تكذب على عائلات الجنود فيما يتعلق بأبنائهم الاسرى".
وأوضح أبو زهري أن "ما تم يثه عبر قناة الجزيرة سيكون له انعكاسات متصاعدة في وجه الحكومة الإسرائيلية التي تلقت (صفعة قوية) من قبل كتائب القسام في ظل أزماتها المتفاقمة، وعجزها عن تحقيق صورة النصر، وفقدانها لحالة الردع أمام المقاومة في معركة سيف القدس".
وأشار أبو زهري إلى أن هذه المادة أضافت زخما جديدا إلى مكانة المقاومة وبالتحديد كتائب القسام التي تمتلك القدرة الكافية على أسر الجنود، ولديها مصداقية عالية فيما تقول، حتى أصبح المجتمع الإسرائيلي يثق في خطابها ويكذب رواية حكومته.
جولة تفاوض عير مباشرة
ومن جانبه، قال المختص في الشؤون الإسرائيلية عدنان أبو عامر أن ما تم بثه على قناة الجزيرة هو تفاوض غير مباشر أدارته كتائب القسام بحنكة عالية.
وأضاف أبو عامر أن ما جاء في حلقة الأمس هو حجر جديد تلقيه المقاومة في المياه الراكدة لصفقة تبادل الأسرى مع الاحتلال، وبغض النظر عن تفسيراته لما كشفته المقاومة، لكن ذلك قد يسهم، بصورة أو بأخرى، في تحريك الجمود القائم.
وقال أبو زهري " برنامج ما خفي أعظم كان بمثابة رسائل في ظل المساعي التي تبذلها مصر وأطرافا دولية أخرى لتحريك ملف التفاوض بشأن الاسرى الموجودين في قبضة كتائب القسام، والتأكيد على تمسكها بكافة الشروط المطروحة".
وأوضح أبو زهري بأن "هذه المادة تكشف بأن حركة حماس وقيادة كتائب القسام لا يمكن لها أن تقبل بأي حال محاولات الربط بين ملف الاسرى والملفات الأخرى، وأن التفاوض بشأن الجنود الاسرى له مسار مختلف".
وتابع بأن عدم إمكانية الرضوخ أو التنازل أو التراجع خلال التفاوض على الشروط التي تفرضها المقاومة خلال جلسات التفاوض مهما بلغ حجم الضغوط أو ارتفع حجم التهديد.
ولفت إلى أن المقاومة دفعت أثمان كبيرة حتى تمكنت من الاحتفاظ بالجنود الاسرى ولازالت قادرة على دفع كل الاثمان مقابل الإفراج عن الاسرى الفلسطينيين، مؤكدا أن "ما تم بثه أمس يعكس القدرة الاستخبارية والأمنية المعقدة التي تمتلكها كتائب القسام في مواجهة الجهد الاستخباري الصهيوني في ظل قدرة القسام على الاحتفاظ بالجندي الأسير جلعاد شاليط سابقا حتى تم إبرام الصفقة بشأنه، ومن ثم الاحتفاظ بالجنود الاسرى الجدد والتي تحرص المقاومة على إطلاق سراحهم ضمن صفقة مشرفة تبيض فيها السجون".
ويمكن القول أن ما شوهد على قناة الجزيرة في "ما خفي أعظم" سيجعل الاحتلال يرضخ لشروط المقاومة ومن ثم سنكون على أعتاب صفقة تبادل جديدة؟ هذا ما سنعرفه في الأيام والقادمة..