من المتوقع أن ينعكس تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نفتالي بينت، على العلاقات الرسمية بين الحكومة الأردنية وإسرائيل، بعدما وصلت إلى أسوأ أحوالها في عهد رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، التي استمرت 12 عاماً.
وفي الوقت الذي وجّهت فيه الحكومة الإسرائيلية رسائل إيجابية حول العلاقات المقبلة مع الأردن، تسعى السلطات الأردنية إلى استعادة دورها الإقليمي الذي تراجع خلال الفترة الماضية، وبناء علاقة متجددة مع الإسرائيليين. وتأتي هذه التحولات بعد فترة طويلة من الفتور بين عمّان وحكومات نتنياهو، خصوصاً في قضية مقتل القاضي الأردني رائد زعيتر في عام 2014 على الحدود بين الأردن وفلسطين المحتلة، ومقتل أردنيين في يوليو/ تموز 2017 داخل السفارة الإسرائيلية في عمّان، إضافة إلى تعهد نتنياهو فرض السيادة الإسرائيلية على منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت، والتهرب المستمر من خيار "حل الدولتين".
وظلّت الخلافات بين نتنياهو وعمّان مستمرة حتى الأمس القريب، بعد إجبار نتنياهو، في مارس/ آذار الماضي، على إلغاء زيارته للإمارات بسبب ما أعلن وقتها عن "صعوبات في تنسيق مرور طائرته في أجواء الأردن"، عشية الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في 23 مارس، وذلك بعد إلغاء زيارة ولي العهد الأردني الأمير حسين إلى الحرم القدسي، جراء خلاف طرأ حول التدابير الأمنية التي يتم اتخاذها بالمسجد الأقصى. ثم ازداد التوتر بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
وفي مقابل العلاقات الرسمية المتذبذبة مع إسرائيل، فإن الموقف الشعبي الأردني يعارض التطبيع والعلاقة مع دولة الاحتلال بشكل قاطع، وسط دعم للصمود الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة والقدس المحتلة. وتجسد الموقف الشعبي في الفعاليات الاحتجاجية في الشارع الأردني خلال العدوان، الشهر الماضي، في ظلّ تزايد منسوب النقد للعلاقات مع الاحتلال، على وقع استمرار العلاقات الدبلوماسية بين عمّان وتل أبيب.
وحول العلاقات بين السلطات الأردنية والحكومة الإسرائيلية الجديدة، يرى وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه من غير المتوقع أن يحدث تغيير كبير في العلاقات، والتحول من البرود والتوتر إلى تحسن بشكل سريع. ويشير إلى أن أسباب توتر العلاقات مرتبطة بالسياسات الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية والقدس بشكل رئيسي، ولا تتعلق فقط برئيس الحكومة. ويعتبر أنه إذا كانت هناك مؤشرات ورسائل إيجابية من حكومة بينت تجاه الأردن، وتبنّي سياسات أفضل مما كانت عليه في حكومة نتنياهو، حينها ستشهد العلاقة تحسناً، أما إذا لم يحصل ذلك، فإن حالة الجمود ستستمر فترة طويلة.
ويلفت المعايطة إلى وجود محرّك آخر لتطور العلاقات، مرتبط بالإدارة الأميركية، تحديداً في حال تحريكها الجو السياسي في المنطقة باتجاه إحياء المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وتجاوب حكومة الاحتلال معها، حينها سينعكس الوضع إيجاباً على العلاقات الأردنية ـ الإسرائيلية. ويقول إنه من الواضح أن هناك انتقادات لدى الإسرائيليين، وفق ما صدر عن الإعلام العبري في الأيام الماضية، لسوء إدارة علاقة إسرائيل مع الأردن خلال الفترة الماضية. ويعتبرون أن من واجبات الحكومة الجديدة إعادة ترتيب العلاقة مع الأردن. ووفق المعايطة، فإن تطور المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وتبدّل السياسات الإسرائيلية في القدس، خصوصاً بما يتعلق بالمقدسات والوصاية الهاشمية عليها، سيؤدي دوراً هاماً في تطور العلاقات بين الطرفين أو بقائها كما هي عليه منذ سنوات.
وبحسب وزير الإعلام الأردني الأسبق، فإن تسليم الأسيرين مصعب الدعجة وخليفة العنوز، اللذين عبرا الحدود تضامناً مع الفلسطينيين خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، للسلطات الأردنية، مؤشر من الجهات الأمنية الإسرائيلية للدفع من أجل تحسين العلاقات. ويلفت إلى أن الجهات الأمنية الإسرائيلية ترى أن العلاقات مع الأردن مهمة، وكانت دائماً تحاول ممارسة الضغط على نتنياهو للحفاظ على هذه العلاقات، خصوصاً أن "الحدود طويلة بين الطرفين، والتنسيق الأمني يحافظ على مصالح إسرائيل"، بحسب النظرية الإسرائيلية.
ويشير المعايطة إلى بروز حديث مفاده أن حكومة بينت تواصلت مع دول في المنطقة حول مسيرة الأعلام التي نُظمت في منتصف الأسبوع في القدس، مؤكدة أن هذه المسيرة لا تعبّر عن سياسة الحكومة الجديدة، وذلك للتخفيف من آثارها على العلاقات مع الدول العربية. وحول علاقة الأردن مع الفصائل الفلسطينية وأثرها على مستقبل العلاقات مع إسرائيل، يرى المعايطة أنه لا أثر لذلك على هذه العلاقات، والمواقف الأردنية كانت نتاجاً لاستفزاز إسرائيلي للأردن، ومحاولة لتهديد الثوابت الأردنية ومصالح البلاد، تحديداً بما يتعلق بالمقدسات.
من جهته، يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية أيمن الحنيطي، إن بنيامين نتنياهو كان حجر عثرة كبيراً أمام تحسن العلاقات الأردنية الإسرائيلية، ومن المتوقع أن تعمل الحكومة الجديدة على تحسين العلاقات مع الأردن. ويعتبر أن واحدة من المهام التي وضعها وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد يئير لبيد، وهو رئيس الوزراء البديل، هي تحسين العلاقات مع الأردن والعاهل الأردني عبد الله الثاني. لذلك من المتوقع أن تشهد العلاقات تحسناً، وربما يقوم لبيد خلال الفترة المقبلة بزيارة علنية إلى الأردن.
وبحسب الحنيطي، فإن كل ما يتعلق بالقدس والعلاقة مع الفلسطينيين خلال الفترة المقبلة بالنسبة للحكومة الجديدة يعتبر من القضايا الإشكالية، نظراً لتباين المواقف بين المشاركين فيها، موضحاً أن الاتفاق بين من شكّلوا الحكومة قضى بإبقاء القضايا الإشكالية بحالة جمود وشلل. ويلفت إلى أن موقف الحكومة الإسرائيلية تجاه المقدسات وعودة المفاوضات مع الفلسطينيين يرتبط بالأوضاع في المنطقة وبموقف الإدارة الأميركية. ويرى أن السياسة الناعمة التي اتبعتها الإدارة الأميركية أثناء العدوان الإسرائيلي، قد تساهم في تطور العملية السلمية وتحسين العلاقات الأردنية الإسرائيلية.
ووفق تقيم الحنيطي، فإن حرب غزة أعطت درساً للإسرائيليين مفاده أنه لا مناص من تحسين الوضع مع الفلسطينيين والدخول في مباحثات سلمية وإعادة إحياء المفاوضات، وهو الدرس الذي استوعبه الأميركيون، وأن تطبيع العلاقات مع دول عربية بعيدة جغرافياً ليس بديلاً عن العلاقات مع الجانب الفلسطيني والدول المجاورة. واعتبر أن حرب غزة رفعت القضية الفلسطينية إلى رأس أولويات الإدارة الأميركية. وبرأيه، فإن تسمية سفير أميركي جديد في إسرائيل (توماس نايدز) لا يخرج عن ذلك.