قالت صحيفة “إندبندنت” البريطانية، إن “محاكمة القرن” في الأردن تجري وسط تخفيف نبرة الاتهام لأياد أجنبية، مشيرةً إلى أن هذه المحاكمة ستترك أثرها على المنطقة.
جاء ذلك، في تقرير لمراسل الصحيفة كيم سينغوبتا من الأردن تحت عنوان “دراما ملكية حقيقية: معركة الأردن من أجل العرش”.
وقال الكاتب، إن وراء محاكمة بدأت بالأردن بتهم الفتنة ضد حاكم المملكة الهاشمية تقف شبكة من التنافس داخل العائلة الحاكمة ومؤامرات قصر وأسرار وأكاذيب اشترك فيها حكام دوليون أقوياء وسياسيون وأجهزة استخبارات.
وأضاف أن الاتهامات والاتهامات المتبادلة بشأن محاولة الانقلاب المزعومة ضد الملك عبد الله الثاني جلبت إليها طاقم ممثلين ضم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وجاريد كوشنر، صهر الرئيس السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو.
وبدأت محاكمة متهمين في المحكمة وهما الشريف حسن بن زيد أحد أقارب الملك و باسم عوض الله المستشار السابق المؤثر.
ووصفت المحاكمة بأنها محاكمة العصر في الأردن ولعبة العروش الحقيقية وستترك أثرها على المنطقة وأبعد منها.
وفي حالة أدين المتهمان فسيواجهان سجنا لمدة 20 عاما، مع أن الشخصية الرئيسية التي يزعم محاولتها السيطرة على العرش كانت غائبة عن المحكمة، وهو الأمير حمزة بن الحسين، 41 عاما، أخ الملك وولي عهده السابق.
والأمير حمزة تحت الإقامة الجبرية ولم توجه إليه اتهامات وأعلن القصر لاحقا إن المشكلة حلت في “إطار العائلة الهاشمية”، ثم قال الملك لاحقا إن الأمير حمزة “مع عائلته وفي قصره وتحت رعايتي”.
ولم يكن الأمير في المحكمة رغم لائحة الاتهام الصادرة عن النيابة والتي قالت إنه “كان مصمما على تحقيق طموحه الشخصي” لكي يصبح الحاكم ووجود “صلات قوية” بينه والمتهمين.
وتم نقل المتهمين إلى محكمة أمن الدولة بعمان في سيارات “سوف” ودخلوها من الباب الخلفي، ولم يظهرا إلا من خلال شريط فيديو مسرب حيث كانا فيه في وضعية التقييد ويرتديان الزي الأزرق الذي يرتديه من يعتقلون في دائرة المخابرات العامة.
وقال فريق المحامين عن المتهمين إنهما سيطلبون ظهور الأمير حمزة كشاهد وكذا الاستعانة بمحللين لفحص أدلة التنصت التي تشكل جزءا مهما من أدلة النيابة.
وقال محمد عفيف، القاضي السابق في محكمة أمن الدولة ومحامي الدفاع عن عوض الله: “يصر المتهمان على شهادة الأمير حمزة في القضية، وسيكون القرار النهائي للمحكمة ولكن عليها تبرير قرار الرفض”.
وتابع: “سيقدم المتهمان دفاعهما مكتوبا وسنطلب الاستماع لشهادة عشرة شهود ونريد حمزة أن يكون واحدا منهما، فله دور كبير في القضية”.
وأكمل: “نريد القول أن الدفاع يخطط لاستدعاء خبراء أجانب للتأكد من صحة التسجيلات ذلك أن معظم أدلة النيابة التي تقوم على التنصت”.
ويعلق سينغوبتا أن منظور ظهور الأمير حمزة والمحللين الأجانب وإمكانية ظهور ضباط مخابرات سابقين يعتبر إشكاليا لعدد من الدول الأجنبية وكذا الحكومة الأردنية.
ويضيف: “من الصعب معرفة كيف ستتجنب المحكمة هذه الموضوعات.
وبحسب لائحة الاتهام “كان الأمير حمزة يهدف لأن يصبح حاكما وبدأ بمهاجمة جلالة الملك وشجعه الشريف حسن الذي بذل كل جهوده لأن يصبح الأمير حمزة حاكما على الأردن”.
وتم جلب عوض الله إلى المؤامرة للحصول على دعم دولي “وكانا يعرفان أن عوض الله مجرب ويتمتع بتأثير في الخارج يمكن أن يساعد على وصول الأمير حمزة إلى الحكم”.
وأثارت المحاولة قلقا عميقا لدى الحلفاء الدوليين التقليديين الذين تعاملوا مع الأردن كواحة استقرار في منطقة مضطربة.
وأثارت أسئلة مثيرة للجدل في البلد الذي يعاني من وباء كوفيد-19 ومأزقا اقتصاديا صعبا، حول مصير البلد والعائلة المالكة التي ظلت حتى الآن فوق النقد.
ولكن السرية التي أحيطت بها المحاكمة أثارت شائعات حول وجود جماعة عميقة شريرة “كابال” تعمل داخل البلاد وتأثير أيادي أجنبية “خبيثة”.
وقال عامر السبايلة الأكاديمي والمعلق السياسي إن “استقرار البلد ظل مرتبطا باستقرار العائلة الحاكمة. وتم كسر التابو الآن، وفتح أحدهم باب العائلة الهاشمية أمام النقاش العام، ولو لم يتم إدارة الأمر بحذر فسنرى أشخاصا يتساءلون عن نموذج الحكم في الأردن”.
وقال مسؤول بارز سابق إن المؤامرة وما بعدها تركت أثرا مزعزعا في داخل البلد وما سيظهر بعد ذلك سيترك تداعياته في الخارج”.
وأضاف: “حدثت انقسامات، بعضها سيء بن أفراد العائلات الحاكمة في المنطقة، ولكن هذا هو الأردن ولم يحدث أن سجن فيه فرد من العائلة المالكة منذ 60 عاما”.
وتابع: “الوضع الاقتصادي سيء والبطالة عالية وضربنا كوفيد بشكل سيء ولا ينكر أحد أنها كانت مصدرا للسخط وهناك الكثير من الشكوك حول الدول الأجنبية”.
وأكمل: “وكانت هناك محاولات لمنع التغطية الإعلامية السيئة وتجنب سوء الفهم مع الجيران، مما أثار موضوعات لا تريد الخفاء، ولا يزال دور الخارج محلا للتكهن والحساسية”.
واستكمل: “وهناك زعم بأن السعودية حاولت منع تقديم عوض الله إلى المحاكمة وأرسلت وزير خارجيتها فيصل بن فرحان ومدير المخابرات وعدد من حاشية ولي العهد محمد بن سلمان إلى عمان لإقناع الأردنيين الإفراج عن عوض الله لكي يعود معهم”.
وأضاف: “لدى المتهم الثاني علاقة مع السعودية، فوالده الشريف حسن بن زيد الناصر يعيش في السعودية”.
ونفت الرياض محاولات الإفراج عن عوض الله وأكدت أن وفدها كان للتعبير عن دعمها للملك عبد الله الثاني.
ويقول مسؤولون غربيون وأردنيون أن السعودية ربما نجحت في مساعيها لو كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض وليس جوزيف بايدن.
وتظل الرابطة السعودية جزءا عضويا في الاتهامات التي تحيط بالمؤامرة. فبحسب النيابة، سأل الأمير حمزة عوض الله إن كان قادرا على الدعم السعودي لو مضى في خطته.
ورأى نائب رئيس الوزراء أيمن الصفدي أن الأمير كان ينسق مع كيانات أجنبية، فيما نفت الحكومة السعودية أي دور في المؤامرة.
ويحمل عوض الله الجنسية السعودية والأردنية وهو مستشار اقتصادي لمحمد بن سلمان، وتضم شبكة الصلات الدولية له الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للإمارات.
ويعتقد أن عوض الله كان متورطا في عملية شراء أرض فلسطينية بدعم من الإمارات حول القدس.
والروابط بين فلسطين وإسرائيل تنقل المحاولة الانقلابية إلى واحدة من أكثر المسلسلات الأكثر شهرة وانقساما في السياسة الأخيرة للشرق الأوسط، أي ما أطلق عليها صفقة القرن التي أشرف عليها جارد كوشنر، صهر ترامب الذي أقام علاقات قوية مع محمد بن سلمان وتوقع الدعم السعودي للاتفاق المقترح بين إسرائيل والفلسطينيين، كما وحصل على دعم من الإمارات.
وأثار الملك عبد الله الذي يعيش فيه بلاده جزء كبير من الفلسطينيين عددا من الشكوك الخطيرة حول حيوية الخطة الأمريكية. ورأى الأردنيون أن الخطة ستقضي على أي فرصة لدولة فلسطينية كما اتفق عليها في المعاهدة الأردنية- الإسرائيلية عام 1994.
وعارض الأردن اتفاقيات التطبيع بين عدد من الدول العربية وإسرائيل التي رعتها إدارة ترامب. وهو ما قاد لتردي العلاقة مع الإمارات العربية المتحدة التي كانت أول دولة تسير في هذا الطريق.
ويتمتع الهاشميون بالوصاية على الأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس، وأكد الملك عبد الله أن بلاده ترفض أي تغيير للوضع القانوني والتاريخي للمدينة المقدسة والذي تحاول إسرائيل فرضه.
وأدى موقف الملك عبد الله لتهميشه في جهود كوشنر، مما خلق مشكلة كبيرة للأردن طالما ظل ترامب في السلطة.
وتشير لائحة الاتهام ضد المتآمرين لقلب الحكم أن عوض الله دفع الأمير حمزة إلى “نقد واضعاف الموقف القوي للملك تجاه القضية الفلسطينية وقضية القدس والوصاية الهاشمية على الأماكن الإسلامية والمسيحية”. وقالت النيابة إن الأمير حمزة أعلن “لست مهتما بالقدس”.
وحسب الصحيفة، فقد ذهب ترامب وغرقت معه صفقة القرن التي أشرف عليها كوشنر.
ويقول الدبلوماسيون إن التغير في واشنطن ترك أثرا كبيرا على الطريقة التي تم التعامل فيها مع المحاولة الانقلابية المزعومة في الأردن.
وزعمت مصادر دبلوماسية وأمنية أن ويليام بيرنز، مدير سي آي إيه اتصل بالبيت الأبيض أثناء المحاولات السعودية للإفراج عن عوض الله، وطلب منه التدخل، في حين تنفي سي آي إيه حدوث هذا، واتصل الرئيس جوزيف بايدن بالملك عبد الله معربا عن دعمه له، وسيزور الملك واشنطن الشهر المقبل.
وأعربت دول غربية أخرى عن دعمها للأردن، وقامت بريطانيا أقدم حليف للمملكة في الأسبوع الماضي بمناورة عسكرية كبيرة.
حيث قامت قوات من كتيبة الهجوم الجوي 16 بإنزال مظلي وتمارين قتال شوارع مع القوات الأردنية الخاصة، وهو تحرك رمزي واستراتيجي في نفس الوقت.
ويرى جواد العناني، نائب رئيس الوزراء السابق أن إسرائيل متورطة في المؤامرة المزعومة.
وزعم مسؤولون بارزون أن نتنياهو، رئيس الوزراء السابق رأى في الملك عبد الله عقبة أمام جهوده لعقد صفقات مع الدول العربية، فيما نفت إسرائيل علاقتها بما حدث.
وزعم رجل أعمال إسرائيلي مقرب من الأمير حمزة أنه قام بتحضير طائرة خاصة لنقل زوجة الأمير وعائلته إلى خارج الأردن.
وكشفت المخابرات الأردنية، حسبما نشر في الإعلام الأردني أن روي شابوشينك كان عميلا للموساد وهو ما نفاه رجل الأعمال نفسه.
وفي الآونة الأخيرة خففت الحكومة نبرتها من الحديث عن “أيادي أجنبية” والحديث عن السعودية خشية أن يتأثر العمال والموظفون الأردنيون في السعودية، مما قد يزيد من المصاعب الاقتصادية.
وحسب الصحيفة، فإن تحويلاتهم المالية تمثل مصدرا مهما للحياة الاقتصادية في البلد.
ويرى الكاتب أن هناك عدة أسباب تدفع الأمير حمزة على التمرد، فقد نشأ على فكرة توليه العرش، وعزل عن منصب ولي العهد وتم تعيين ابن الملك الأكبر محله.
وأضاف: “لهذا حاول جذب القطاعات التي تشعر بالتهميش من النخبة التجارية الجديدة في البلاد. وتركز الشعور بالعزلة بين العشائر الأردنية، وكذا الجيل الشاب وهو ما أشارت إليه لائحة الاتهام عن خطة لنشر عدم الرضى بين هذه القطاعات.
واستكمل: “ربما لن تتأثر المصاعب الاقتصادية والبطالة بين الشباب تحت سن الثلاثين والتي تصل إلى 50% بما سيحدث في المحكمة الجارية، لكن المظلومية التي يشعر بها الناس قد تظهر كدليل في جلساتها”.
وأعلن الملك عبد الله عن تشكيل لجنة بهدف “فتح الحياة السياسة في المملكة” بهدف منح البرلمان قوة جديدة والتشاور مع قوى المجتمع المدني.
ومع أن المادة 195 من القانون الجنائي تجرم من يتطاول على الملك والملكة وولي العهد ويتم إسكات النقد للعائلة المالكة في الحياة العامة إلا أن الناس لديهم استعداد للحديث علنا.