كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” تفاصيل مثيرة عن توماس باراك، أحد المقربين من الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يواجه اتهامات بـ"العمالة" للإمارات، والدفاع عن المصالح الإماراتية في عهد الإدارة الأمريكية السابقة.
وقالت الصحيفة في تقرير موسع، أعده كل من مارك فاندفيلد من نيويورك وأندرو إنغلاند، ؛ إن باراك ظهر بعد قرار ترامب منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة في الأيام الأولى من إدارته على التلفزيون من أجل تهدئة الأعصاب في البلاد.
وكان باراك واحدا من الداعمين المهمين في الحملة الرئاسية لترامب، وروج له في اجتماع المؤتمر الجمهوري في 2016 وجمع عشرات الملايين من الدولارات للحملة. وفي كانون الثاني/يناير 2017 كان يحاول شرح ما أصبحت رئاسة مثيرة للانقسام. وقال: “انتخب ترامب لأن قطاعا من المجتمع الأمريكي تعب من عدم انسجام وشفافية النخبوية”.
وباراك هو مستثمر في السندات الخاصة وباع لرئيس المستقبل فندقا بقيمة 400 مليون دولار في ثمانينيات القرن الماضي. وبالنسبة لمنع السفر، فقد قال إنه “هو الطريقة الوحيدة لنهاية الراديكالية ومساعدة الإسلام “الجيد””.
وبدا أن المقابلة التلفزيونية أفرحت الحكومة الإماراتية، الدولة الغنية التي استثني سكانها من الأمر الرئاسي لترامب. وقال إماراتي أدى دور الوسيط لحكام البلد: “يا إلهي هذا ما أردته بالضبط”، وذلك حسب رسالة نصية أرسلها لواحد من مساعدي باراك، وكما ورد في لائحة الإتهام.
ويواجه باراك اللبناني- الأمريكي البالغ من العمر 74 عاما ومؤسس “كلوني كابيتال”، معركة قانونية واتهامات بعمله نيابة عن المصالح الإماراتية واتهامات جنائية أخرى. ونفى هو ومساعده ماثيو غرايمز أمام المحكمة الفدرالية ارتكاب أي أخطاء. وتعهد باراك لاحقا بإثبات براءته قائلا: “صنع تمثال الحرية من الفولاذ مع طبقة من النحاس. ونحن في لحظة حارة جدا، ويمكنني القول لكم؛ إن الفولاذ الصلب مصنوع من النار القوية”.
وترى الصحيفة أن قضية باراك ومن معه تفتح بابا أمام الدبلوماسية الأمريكية الخارجة عن عقالها، التي تزامنت مع جهود الإمارات ودول شرق أوسطية أخرى، لبناء تأثير لها في واشنطن وبعد سنوات من العلاقات المتوترة مع إدارة باراك أوباما.
وتكشف الحالة عن الطريقة التي مارس فيها أتباع ترامب الأثرياء دورا خفيا على العلاقات الأمريكية الخارجية. وفي حالة باراك، كما هو محتمل بمعرفة مقدمة من حاكم الإمارات الفعلي، ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد.
وتم الكشف عن الرسالة النصية التي تلقاها غرايمز في كانون الثاني/يناير في لائحة الاتهامات في المحكمة الفدرالية في الأسبوع الماضي. وهي واحدة من عشرات الرسائل المتبادلة التي تزعم أن باراك قام بتنسيق ظهور إعلامي مع الإمارات وضغط في واشنطن نيابة عن المسؤولين فيها.
واتهم المدّعون باراك بمحاولة تعيين مرشحين مفضلين لأبو ظبي في المواقع الدبلوماسية الأمريكية، وإساءة استخدام علاقاته مع المسؤولين في واشنطن، والحصول على دعم للسياسات والأولويات التي تريدها الإمارات. وقال مارك ليسكو، محامي وزارة العدل الذي يقود وحدة الأمن القومي فيها؛ إن الجرائم المزعومة “لا تقل عن خيانة… لمسؤولي الولايات المتحدة بمن فيهم الرئيس السابق”.
وفي بحثها عن علاقة باراك مع المصالح الإماراتية، قامت الصحيفة بعدة مقابلات من دائرة المتهم، بالإضافة إلى مراجعة الصحيفة لمئات الصفحات من التحليل والوثائق التي نشرتها لجان الكونغرس على مدى العامين الماضيين.
وتكشف الوثائق معا المؤامرة الإجرامية التي يزعم المدعون، وتكشف عن طريقة واحدة للعلاقة التي أقامها باراك مع حكام الشرق الأوسط، التي منحته دورا في سياسة الدولة وميزة في التجارة.
وكان باراك يعمل على خطة جريئة لشراء “ويستنغهاوس”؛ الشركة النووية الأمريكية وبدء تصدير المفاعلات للسعودية، حليفة الإمارات.
وعبر عن الخطة أمام مسؤولين بارزين في ثلاث مجموعات كبيرة: أبولو غلوبال مانجمنت وبلاكستون وبروكفيلد أسيت مانجمينت، وذلك بحسب محققين في الكونغرس. لكن نقل التكنولوجيا النووية إلى منطقة تعاني من الفوضى أثار قلق البعض في عالم الأمن القومي الأمريكي الذين أخبروا الكونغرس.
وفي اليوم التالي لدفاعه عن قرار منع السفر، الذي جاء وسط احتجاجات في المطارات، أرسل باراك نسخة من مقترحه النووي إلى ستيفن بانون، مسؤول الاستراتيجيات في إدارة ترامب، وهو ما كشفت عنه وثيقة أصدرتها لجنة الرقابة في مجلس النواب عام 2019.
وفي رسالته الإلكترونية إلى بانون قال: ”ستيف، فكرة أنيقة ستجد دعما مباشرا من المملكة (السعودية) والإمارات، وستخفف من الضوضاء الحالية”. وكان نهج باراك في التجارة يقوم على تقديم الخدمات قدر المستطاع وطلب القليل مقابلها. وقال مرة لحضور “الكارما تعمل في الحقيقة” و”تعمل في النهاية”. والعمل الجيد أعطى باراك منفذا إلى واشنطن ترامب، الذي حاول الحصول عليه بول مانفورت في بداية 2016.
وقال مستشار سياسي أمريكي عمل في أوروبا الشرقية؛ إن مانفورت أراد من باراك مساعدته لكي يكون مديرا لحملة ترامب. وحث مقرب آخر من ترامب وهو روجر ستون، باراك لأن يقدم الخدمة قائلا في رسالة الكترونية: “أنت الوحيد الذي يستطيع عمل هذا” و”يتعامل معك دونالد كند، أما نحن فمجرد أتباع”.
ودفع باراك بحالة مانفورت لعدة أسابيع مع ترامب وابنته إيفانكا وزوجها جارد كوشنر، حيث تم تعيين مانفورت في آذار/مارس. وكتب مانفورت لباراك “سنحصل على الكثير من المتعة والفرح” “وسنغير العالم في العملية”.
واستقال مانفورت بعد ستة أشهر، لكنها كانت كافية لأن يحصل باراك على “الكارما” أو المنفعة. وبعد إثبات تأثيره على ترامب، فقد رأت دول عربية مؤثرة فيه وسيلة نافعة لاستعادة نفوذها في واشنطن.
وفي نيسان/إبريل 210 يقول المدعون إن باراك كتب رسالة إلكترونية إلى راشد المالك، وهو إماراتي كان مقيما في لوس أنجليس بتأشيرة طالب، وواحد من المتهمين بالعمل كعميل أجنبي غير مسجل.
وكان المالك يريد من باراك مقابلة خمسة من المسؤولين الإماراتيين الذين يزعم أنهم حركوا عملية الضغط غير القانونية. ولم تظهر أسماء المسؤولين في عريضة الاتهامات. ولم توجه اتهامات لأي منهم. لكن باراك مدح اثنين منهم بالاسم في أثناء مقابلة تلفزيونية عام 2016 كما يقول المدعون. والكشف يقترح أن المدعين كانوا يشيرون إلى الشيخ محمد وشقيقه، مسؤول الأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد.
وكان باراك مصمما على إثبات جدارته. ففي الوقت الذي كان ترامب يحضر لخطاب مهم عن الطاقة، بعث باراك رسالة إلكترونية إلى المالك طلب منه “ملامح مؤيدة للشرق الأوسط” أرسلها لاحقا إلى مانفورت، وذلك حسب الملفات التي نشرها الكونغرس. وبعد عدد من التكرارات أرسل مانفورت رسالة بالبريد الإلكتروني قائلا: “هذه النسخة الأخيرة على الأغلب” و “تحتوي على اللغة التي تريدها”.
ويقول المسؤولون الإماراتيون إن تأثيرها ليس غريبا. وقال مسؤول على معرفة بموضوع الدولة الخليجية “كان ترامب يدير حملة غير تقليدية وبدون أي شخص يدير ملف السياسة الخارجية”. وأضاف “من الواضح أن الإمارات كانت لديها علاقة مع باراك، وكل حكومة في العالم كانت تحاول فهم ترامب وكيف تتصل معه”. وفي اليوم الذي فاز فيه ترامب نظم المالك، كما يزعم مكالمة بين باراك ومسؤول في أبو ظبي.
وقال المدعون؛ إن باراك سافر بعد فترة قصيرة إلى الإمارات لمقابلة مسؤول لم يكشف عن اسمه في لائحة الاتهامات. لكن العريضة مع تصريحات باراك التلفزيونية تعطي صورة أن الشخص المعني هو الشيخ محمد والمعروف أيضا بـ “م ب ز”.
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني كتبها بالعربية بعد عدة أيام، ناقش المالك خططا للتأثير على الإدارة الأمريكية القادمة، وذلك حسب لائحة الاتهامات. وكان على ما يبدو واثقا من أن باراك “سيكون مع العرب”. وهو ما “سيعطي أبو ظبي قوة أكثر”.
وبدأت الطلبات تأتي من أبو ظبي بعد ثلاثة أيام من تنصيب ترامب. وكان الطلب الأول يستهدف الإخوان المسلمين، الجماعة الإسلامية التي لديها فروع عدة، بعضها تشارك في الانتخابات في الشرق الأوسط. في 23 كانون الثاني/يناير 2017، حسبما قال المدعون، أخبر المالك غرايمز حول “الفرصة العظيمة” لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب الأمريكية. وسيقطع التحرك التمويل عن الحركة التي يراها الشيخ محمد تهديدا على المنطقة.
وقال المالك: “سيكون هذا انتصارا عظيما لو صنفناهم”. وكان المالك يشير إلى مقترح لتصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية ” وهم يستحقون هذا”، ورغم تفكير إدارة ترامب بهذا، إلا أنها لم تصنف الجماعة على قائمة الإرهاب.
كما حاولت أبو ظبي الحصول على المساعدة في تنفيذ خلافها مع قطر. وبعد فرض الإمارات وحلفائها حصارا على قطر في حزيران/يونيو 2017، فكر مسؤولون أمريكيون بعقد قمة في كامب ديفيد، خارج واشنطن لحل النزاع. لكن الإمارات كانت تريد إفشال أي خطة من هذا النوع ومواصلة الضغط على قطر. وحاول باراك المساعدة كما يزعم.
وأخبر المالك المسؤولين الإماراتيين قائلا: “يريد إخبار الرئيس بألا يفعل هذا” أي عقد القمة. وتقدم باراك بطلبه الخاص، ففي رسالة كتبها إلى المالك في بداية 2017 قال فيها إنه “سيكون مساعدا لو ذكر م ب ز (لكوشنر) كيف يثمن مساعدتي”، وذلك حسب وثائق نشرها الكونغرس. وبحلول نيسان/إبريل تحول النقاش إلى إمكانية تعيين باراك كسفير للإمارات، وأخبر باراك المالك أن هذا ” سيعطي أبو ظبي قوة أكبر”.
وتؤكد الإمارات أنها حاولت الاتصال مع بيت ترامب الأبيض عبر الطرق الدبلوماسية كما تفعل عادة مع أية إدارة. وأخبر يوسف العتيبة، السفير الإماراتي في واشنطن الصحيفة، “طالما تواصلنا مع الحزبين- في داخل وخارج البيت الأبيض وعلى جانبي الكونغرس”، مضيفا أن “الولايات المتحدة وبقية الدبلوماسيين يفعلون هذا في مناصبهم حول العالم، التعامل مباشرة مع مسؤولي الحكومة ومع مسؤولي المعارضة أيضا”.
وقبل أشهر من طلب باراك المساعدة من الشيخ محمد، أرسل مستشار الأمن القومي مايكل فلين مسودة خطة للبيت الأبيض التي ربما منحت رئيس شركة كولوني دورا مهما للإشراف على “خطة مارشال للشرق الأوسط”. وتم تصميم الخطة على غرار خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب، وتقتضي الخطة الجديدة ببيع المفاعلات النووية للسعودية، مما سيعطي باراك عوائد مالية جيدة.
ولم توجه اتهامات لأحد في خطة تصدير التكنولوجيا النووية للشرق الأوسط، ولم تظهر هذه في لائحة الاتهامات ضد باراك. ومع ذلك فقد أثارت الخطة قلقا داخل المجتمع الاستخباراتي. وقال بعض العاملين في صناعة التكنولوجيا النووية؛ إن الخطة ربما كانت صالحة في حالة موافقة إدارة ترامب على إلغاء القيود على التصدير، التي تهدف لمنع تحول المشاريع المدنية إلى صناعة أسلحة نووية. وناقش باراك الخطة مع ثلاث شركات استثمارية على الأقل.
وكان المستثمرون الأمريكيون سيقدمون 51% من رأس المال المطلوب لشراء شركة ويستنغهاوس لمنع إفلاسها حسب مقترح تقدمت به كولوني كابيتال. وكتب مايكل هيويت، مدير مجموعة صناعة نووية اسمها آي بي3 إلى باراك في آذار/مارس 2017، إن “صندوق الاستثمارات العامة من المحتمل أن يكون الممول السعودي للخطة المشتركة لويستنغهاوس” ، في إشارة للصندوق السعودي الذي يترأسه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
وبحسب وثائق نشرتها لجنة الرقابة في مجلس النواب، فقد كتب باراك في أيلول/سبتمبر لمدير بلاكستون، ستيفن شوارزمان: “أنفقت وقتا شخصيا على هذا”. و في الشهر التالي كتب للمؤسس المشارك لشركة أبولو غلوبال مانجمينت، جوش هاريس: “شكرا كثيرا لسماحك لنا المشاركة في طرح العطاء على ويستنغهاوس”.
ولا يكشف تقرير مجلس النواب عما حصل لنهج باراك. وقالت أبولو وبلاكستون؛ إنهما لم يشتركا معه لطرح عطاء لشركة ويستنغهاوس. واستحوذت شركة بروكفيلد ومقرها تورنتو على يستنغهاوس في كانون الثاني/يناير 2018، ويظهر تقرير مجلس النواب أن باراك حاول التقرب من صاحب الشركة الجديد. وكتب لمدير بروكفيلد، بروس فلات “نحب المشاركة”. وفي عرض داخلي لشركة كولوني أشار إلى دعوة شركة باراك “لاستثمار 50 مليون دولار إلى جانب بروكفيلد للاستحواذ على ويستنغهاوس في صفقة 4.2 مليار دولار”.
وقالت بروكفيلد؛ إنه استثمار كولوني لم يتم، وأنه لم يحصل تأثير سياسي، مضيفة أن الشركة تبحث عن فرص بيع مفاعلات نووية ولكن ضمن القوانين الأمريكية.
وتترك حالة باراك تداعيات على المسؤولين البارزين في مجال المال والتجارة والعقارات، الذين اعتمد عليهم ترامب للقيام بأدوار من مهمة الدبلوماسيين والمسؤولين المعينين. فقد عفا ترامب عن إليوت برويدي، 63 عاما، الممول الذي أدين بالضغط نيابة عن بيجين لترحيل معارض صيني، لكن قلة ستحصل على العفو لو أدينت في عهد بايدن.
ويقول مايكل أتكينسون، المشارك في كرويل أند مورينغ الذي عمل في عام 2016 مسؤولا وحدة الأمن القومي بوزارة العدل: “في ذروة إدارة ترامب، تحديدا، كان هناك تفضيل للأبواب الخلفية أكثر من الشفافية والقنوات الرسمية”، و “أصبحت القنوات الرسمية أمرا عاديا كما لاحظنا مع روسيا وأوكرانيا والصين أيضا. ولن أفاجأ لو كان هناك أفراد آخرون مشابهون (لباراك) فيما يتعلق بهذا النوع من السلوك”.