صدم هروب ستة أسرى فلسطينيين من سجن الجلبوع الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية، باعتبار السجن من أكثر السجون إحكاما وتحصينا في إسرائيل؛ ووصف معلقون في الصحف الإسرائيلية، عملية هروب الأسرى من خلال استغلال التصميم الهندسي للسجن وعبر "نفق نجحوا في حفره على مدى عدة أشهر" من داخل زنزانة في قسم رقم 2 من داخل السجن إلى خارجه، بأنها مشابهة تماما لما يجري في الأفلام.
وكثفت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أعمال البحث عن الأسرى الستة الذين نجحوا بالفرار من السجن شديد التحصين؛ وتزامنت أعمال البحث مع سلسلة من التحقيقات في الحادث ذاته، ومداولات أمنية أجراها رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، حول تداعيات الهروب؛ فيما تحارب أجهزة الأمن الإسرائيلية الزمن في محاولة للعثور على الأسرى.
وفي هذا السياق، كتب المعلق الأمني الإسرائيلي، يوسي ميلمان، في تغريدة على "تويتر": "كما هو الحال في الأفلام، هذه ليست المرة الأولى، في تموز/ يوليو 1958 اندلعت ثورة عنيفة من قبل السجناء في السجن، هرب 66 سجينًا، قتل 11 وحارسان آخران، تم القبض على الجميع؛ عام 2014، حفر سجناء أمنيون نفقا، لكن تم كشفه وإحباط محاولة الهروب".
ومن جهتها، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية "دراما في أحد أكثر السجون تحصينا في إسرائيل: في الصباح الباكر، اكتشفت مصلحة السجون اختفاء الأسرى بعد ساعات قليلة من تمكنهم من الفرار، عبر نفق حفر في السجن".
ويُوصف سجن الجلبوع الذي يلاصق سجن شطة ويقع قرب بيسان في إسرائيل بأنه "سجن الخزنة" بسبب إحكام الإجراءات فيه، لمنع أي محاولة فرار منه.
وبحسب مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان الفلسطينية، فإن سجن الجلبوع "الذي يقع في شمال فلسطين أُنشأ بإشراف خبراء إيرلنديين وافتتح في العام 2004 بالقرب من سجن شطة، في منطقة بيسان".
وأضافت "يعد السجن ذو طبيعة أمنية مشددة جدًا، ويوصف بأنه السجن الأشد حراسة، ويحتجز الاحتلال فيه أسرى فلسطينيين يتهمهم الاحتلال بالمسؤولية عن تنفيذ عمليات داخل أراضي فلسطين المحتلة عام 1948".
ونشرت مصلحة السجون الإسرائيلية شريط فيديو لفتحة أسفل مغسلة في الزنزانة التي تواجد فيها الأسرى قبل فرارهم. وتؤدي الفتحة إلى نفق، يصل إلى خارج حدود السجن، بطول عشرات الأمتار. ولم تقدم السلطات الإسرائيلية شرحا لكيفية حفر النفق الذي فر الأسرى من خلاله إلى خارج السجن.
ولكن صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قالت "يظن مسؤولو السجن أن الستة فروا عبر حفرة خارج جدران السجن، تمكنوا من حفرها خلال الأشهر القليلة الماضية"، وأضافت "أفاد جهاز الأمن العام (الشاباك) بأن السجناء نسقوا مع أشخاص خارج السجن باستخدام هاتف محمول مهرب، وكان لديهم سيارة هروب في انتظارهم".
واستنادا إلى الصحيفة فإنه "تم ملاحظتهم تمت لأول مرة من قبل المزارعين المحليين الذين أبلغوا الشرطة عنهم، بعد أن اعتقدوا أنهم لصوص"، وقالت "اكتشف أن السجناء الستة قد فروا قرابة الساعة الرابعة فجرًا، خلال عملية العدّ (الصباحي)".
وتابعت "يقول مسؤولون في مصلحة السجون الإسرائيلية إن السجناء فروا حوالي الساعة 1:30 صباحًا، وقد لاحظهم سائق سيارة أجرة محلي لأول مرة، في الساعة 1:49 صباحًا حيث رصدهم في محطة وقود بالقرب من السجن واتصل بالشرطة".
وقالت "وصلت وحدة شرطة إلى الموقع بعد أقل من عشر دقائق، وبدأت بتفتيش المنطقة وإجراء مقابلات مع موظفي محطة الوقود"، وأضافت "الساعة 3:29 صباحًا، أبلغت مصلحة السجون الإسرائيلية، الشرطة، عن اختفاء ثلاثة سجناء والتي أرسلت تعزيزات إلى السجن".
وتابعت الصحيفة "فقط في الساعة 4:00 صباحًا أصبح واضحا أنه في الواقع لم يتم حساب ثلاثة سجناء آخرين"، وأكملت "تم العثور على مخرج النفق في وقت لاحق، على بعد أمتار قليلة خارج جدران السجن وكان مغطى بالأعشاب".
أما صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية فقالت "بدأت الدراما في السجن الأمني، الذي تأسس في أعقاب الانتفاضة (الثانية) في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ويعتبر من أفضل السجون تحصينا في البلاد، حوالي الساعة 4:00 صباحًا، لكن التحقيقات الأولية تُظهر أن الهروب حدث في الساعة 01:30".
وأضافت "من المعروف أن هناك فجوات عديدة في خط السياج الفاصل بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية في منطقة الجلبوع، يعبر من خلالها العديد من الأشخاص بدون تصاريح"؛ وأشارت الصحيفة إلى أنه تم نشر قوات كبيرة قرب الجدار الفاصل حول منطقة جنين، شمالي الضفة الغربية، التي ينحدر منها الأسرى.
من جانبه، اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن "عملية الهروب الذي لا يمكن تصديقها للأسرى الستّة من سجن الجلبوع، استقبلت بمزيج صاخب من الكبرياء الفلسطيني، والإحراج الإسرائيلي، والبهجة الغريبة بعض الشيء في مواقع التواصل الاجتماعي، وإشارات أكثر من اللازم إلى فيلم ‘الخلاص من شاوشنك‘. لكنّ الخلاص الهوليوودي هذا، الذي يكشف عن إخفاقات تقشعرّ لها الأبدان من قبل مصلحة السجون، ينطوي حتمًا على مخاطر أمنية".
واعتبر هرئيل أن "الهاربين الستة تحوّلوا بالفعل إلى أبطال" في الضفة الغربية وقطاع غزة، مشيرا إلى أن "نجاحهم سيدفع برياح جديدة في أشرعة المنظمات الإرهابية في الضفة الغربية وقطاع غزّة، وإن انتهت مطاردتهم بمواجهات مع الأجهزة الأمنية، فإنّ موتهم من المحتمل أن يؤدّي إلى موجة من العمليات الجديدة"، على حد تعبيره.
وذكر هرئيل أن "الهروب من السجن يُعرض عند الجمهور الفلسطيني على أنه الإهانة الثانية لإسرائيل، بعد نشر صور الحادثة التي قتل فيها القنّاص الذي أصيب من المسافة صفر بأيدي عناصر ‘حماس‘ على حدود القطاع". وأضاف أن "هذه القضية سترفع أسهم حركة ‘الجهاد الإسلامي‘، الذي يعد معظم الفارين من ناشطيها. وناشطو الجهاد معزّزون بشخصية هي أسطورة بحدّ ذاتها، زكريا زبيدي، من قادة ‘التنظيم‘ في مخيّم جنين خلال الانتفاضة الثانية".
وذكر هرئيل أن "زبيدي نجا خلال هذه الفترة، بما في ذلك من مطاردة إسرائيلية متواصلة خلفه، مواجهات عنيفة مع السلطة الفلسطينية، واعتقالات متكرّرة لدى السلطة ولدى إسرائيل. حتى قبل فراره، أثار حوله انتباهًا دائمًا. في شباط/ فبراير 2019، بعد سنوات طويلة من الادعاء أنه ممتنع عن العمل العسكري، اعتقله الشاباك مرّة أخرى بعد اتهامه بالضلوع في سلسلة استثنائيّة من عمليات إطلاق النار، بمشاركة محامٍ من شرقيّ القدس. محاكمته في هذه القضيّة مستمرّة. بطريقة ما، يصعب تخيّل أن قصّة زبيدي ستنتهي بشكل غير عنيف".
وأشار إلى أن "الفارين الستة، من سكان جنين، جُمعوا، بطريقة أو بأخرى، معًا في زنزانة واحدة، في سجن الجبلوع الذي يبعد 15 كليومترًا فقط عن مدينتهم، من الجانب الآخر من مساحة التماس المفتوحة على مصراعيها. بعد الهروب، وأثناء تبادل الاتهامات بين أجهزة الأمن المختلفة، أنشئت غرفة عمليات مشتركة لإدارة المطاردة. اتجاه التحقيق الأساسي يقضي بأن الهاربين اختاروا المسار الأقصر والمطلوب نحو شمالي الضفة، لكن بقدر ما هو معروف، لا معلومات استخباراتية مقنعة حول هذا الأمر. لا يستبعد احتمال محاولتهم اجتياز الحدود نحو الأردن، ولذلك تعزّزت الحماية الأمنية القليلة في الأيام العادية على طول الحدود، وتعزّز التنسيق الأمني مع الأردنيين أيضًا".
وأضاف هرئيل أن "شمالي الضفّة يعتبر أساسًا منطقة عاصفة، وخصوصًا مخيّم جنين الذي عاش فيه الزبيدي حتى اعتقاله الأخير. في الفترة الأخيرة، تظهر سيطرة متزايدة لخلايا مسلّحة في المخيّم، تمنع – تقريبًا بصورة تامّة – نشاطات الأجهزة الأمنية هناك، وتستقبل بالعيارات النارية كل دخول للجيش و‘حرس الحدود‘ بغرض تنفيذ عمليات اعتقال مطلوبين"، وأشار إلى الاشتباك المسلح الذي في آب/ أغسطس الذي وقع في جنين واستشهد فيه خمسة شبان فلسطينيين أثناء تبادل للنار مع قوّات الاحتلال.
وافترض هرئيل أن تطلب السلطة الفلسطينية "إبعادها قدر الإمكان عن كتلة اللهب هذه. إن حدّدت إسرائيل مواقع الهاربين قريبًا، فستحاول اعتقالهم بقوّاتها الذاتية. الأيام المقبلة ستترافق مع ضغط أمني كبير حول جهود تحديد أماكنهم. إن تعرقل شيء ما – وحاول الهاربون تنفيذ خطف رهائن أو عمليات أخرى – من المحتمل أن يتطور هنا صداع كبير للحكومة وللأجهزة الأمنية".
وتوقع هرئيل أن تتركز "لجنة التحقيقات التي ستقام، بالتأكيد، على الإخفاقات المباشرة التي أتاحت الهروب"، ولفت إلى أن وزير الأمن الداخلي، عومر بار ليف ورئيسة مصلحة السجون، كيتي بيري، تحدّثا صباحا، أن زنزانة الهروب "أقيمت فوق عواميد أساس وفراغ مفتوح، وما فصل بين الأسرى وبين مسار الهروب هو بلاطة حديديّة وضعت أسفل المرحاض".
واستدرك قائلا: "لكنّ هذا فقط جزء من القصّة. بحسب مسؤولين كبار في مصلحة السجون، بعد هذا الفراغ هناك مسافة 20 مترًا على الأقلّ من الأرض يجب حفرها للمرور من تحت سور السجن. يحتمل أنه تم إجراء أعمال حفر سرية لمدّة أشهر طويلة، دون أن تعرف المخابرات (في السجن وفي الأجهزة الأمنية) شيئًا عن ذلك".
وتساءل هرئيل عن إمكانية حصول الأسرى على مساعدة خارجية، وقال: "حقيقة أنهم غادروا المكان بسرعة نسبيًا من المحتمل أن تدلّ على أن أحدًا أخذهم بسيارة من خارج السجن، بالإضافة إلى العثور على ملابس السجن بجانب فتحة الخروج من النفق. هل نجح الهاربون في الاتصال مع مساعدين من خارج السجن؟ لمصلحة السجون تاريخ مشكوك فيه في إبرام صفقات لضمان الهدوء مع الأسرى الأمنيين، مقابل إزالة معوّقات الإرسال الهاتفي من السجون".
الزبيدي وناشطون كبار آخرون، كانوا قبل عدّة أشهر موجودين في قسم خاص في سجن "هداريم"، الذي رُكّبت فيه معوّقات إرسال بقوّة مضاعفة. وبشكل غريب، فُرّق الأسرى في الزنزانة إلى سجون أخرى، وأرسل الزبيدي إلى سجن الجلبوّع. بقدر ما هو معروف، تم التخلّي عن ممارسة مفيدة لنقل كل الأسرى بين أقسام مختلفة في السجون كل عدّة أشهر من أجل إحباط مخطّطات الهرب. وهناك خشية، على الأقل، أن السجن لم يستخدم بشكل كافٍ معوّقات الإرسال.