17.79°القدس
17.55°رام الله
16.64°الخليل
18.71°غزة
17.79° القدس
رام الله17.55°
الخليل16.64°
غزة18.71°
الخميس 24 ابريل 2025
4.84جنيه إسترليني
5.14دينار أردني
0.07جنيه مصري
4.13يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.84
دينار أردني5.14
جنيه مصري0.07
يورو4.13
دولار أمريكي3.65

خبر: الوفاء بين الأزواج محاولة للفهم

كان فيما قرأت أن "حب الرجل أصدق من حب المرأة، وأن الرجل لا ينسى محبوبته، ولكن العكس صحيح، فقد سمعنا بمجنون ليلى ولم نسمع بمجنونة قيس، وقرأنا قصائد بعنوان سيدة جروحي ولم نقرأ قصائد بعنوان سيد جروحي"! أطلقت ضحكة ساخرة على هذا الفهم الضيق الذي يتنازع الوفاء بين الذكور والإناث وكلا الجنسين يحاول أن يثبت أنه الأوفى، ويدلل على تضحيته في ميدان الوفاء التي قد تصل الى الجنون كما في القول السابق! وكأن الجنون دلالة على الحب والوفاء، مع أن الوفاء كخلق مستمر ومتنام من أكثر الأخلاق التي تحتاج وعيا واتزانا. وفي مجتمعنا مثلا أن تترمل المرأة في سن صغيرة، كما لو أنها ترملت في السبعين فهي تلزم نفسها، والمجتمع يلزمها بأن تحصر نفسها؛ وفاء لزوجها، بينما لا يفرض المجتمع ذلك على الرجل ولا يعيب عليه الزواج بعد زوجته، بل يشجعه على ذلك سريعا؛ بدعوى أن الرجل مختلف عن المرأة وحاجاته مختلفة، ولو كان ابن عشرين او ابن سبعين! وحتى شاه جيهان الذي خلد حبه لزوجته ممتاز محل في ضريح أصبح عجيبة من عجائب الدنيا السبعة، وهو تاج محل لم يمتنع عن الزواج بعدها وفاء لها! فهل الوفاء نسخ ومفاهيم وصور مختلفة بين الرجال والنساء والأزواج والزوجات؟! هل الوفاء خلق يمارس بين الأزواج في حياتهم أم هو مقتصر على الوفاء للشخص والذكرى بعد موته؟! لماذا تزيد متطلبات الوفاء على المرأة، وتقل على الرجل في الحياة، وأيضا بعد موت الزوجة؟! لماذا قلب الرجل مزرعة كما يقولون، بينما المرأة يجب أن يكون قلبها غرفة صغيرة لا تُدخل الا زائرا واحدا فيها حيا وتغلق الباب بالضبة والمفتاح على ذكراه ميتا؟! لماذا تبقى المرأة مع زوجها على الأغلب إذا كان لا ينجب، بينما يسارع هو للزواج عليها اذا كانت لا تنجب؟! هل مفهومنا عن الوفاء وممارستنا له مبنية على الدين أم على التقاليد والعادات التي تميت الأحياء مع الأموات كالهنود الذين يحرقون المرأة مع زوجها المتوفى؟! هل الوفاء خلق يشجع على الاستمرار في الحياة أم يوقف الحياة عند نقطة معينة لا تقدم بعدها؟! أما القرآن فيعلمنا أن الله يحب الوفاء بالعهود، وأن من أغلظ العهود والمواثيق ميثاق الزواج بكل ما يتضمنه من مودة ورحمة وإحسان ومعروف وعفة وحصانة، أما السنة فتخبرنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتزوج على السيدة خديجة رضي الله عنها في حياتها مما يجعلنا نتساءل: هل كانت هذه أفضلية وخصوصية لأمنا؛ لمكانتها في الإسلام فلم يرد سبحانه أن تكون لها ضرة، لألم ذلك على قلب المرأة حتى وإن كانت تتقي الله وترضى بحكمه؟! وهل هذا يؤكد أن من معاني الوفاء الاقتصار على محبة امرأة واحدة؟! ولكن لو كان هذا صحيحا لما تزوج الرسول بعدها ومع ذلك ظل وفيا لذكراها، وتروي أمنا عائشة رضي الله عنها أن هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ استأذنت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعْرِفُ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ وَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَالَةَ، قَالَتْ: فَغِرْت، فَقُلْت: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءَ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَك اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا" فرد عليها وقد بدا الغضب في وجهه: "مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا، لَقَدْ آمَنَتْ بِي حِينَ كَفَرَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَأَشْرَكَتْنِي فِي مَالِهَا حِينَ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ وَلَدَهَا وَحَرَمَنِي وَلَدَ غَيْرِهَا. فَقُلْت: وَاللَّهِ لا أُعَاتِبُك فِيهَا بَعْدَ الْيَوْمِ". وهذا الموقف والرد لعائشة أحب النساء إلى قلب الرسول، ويعود السؤال فلماذا إذن تزوج على عائشة وحبه لها معروف، وقد صرح به علانية عندما سئل عن أحب الناس إليه؟! أم أن الوفاء للدين هنا والمفاهيم العظيمة التي قامت عليها زيجات الرسول الأخرى أكبر من الوفاء للشخص الفرد وأهوائه القلبية؟ وصحيح أن حب الرسول وميله كان لعائشة، ولكنه نجح في العدل والموازنة وارضاء كل الأطراف، فرأينا مواقفه المحبة لحفصة وزينب والمجلة لأم سلمة وصفية وماريا، ولكن الرسول أيضا حالة متفردة في الوفاء، ومن الصعب أن يقاس عليه الرجال العاديون من البشر، فهو مارس الوفاء في حياة زوجاته وليس فقط بعد مماتهن، أما حياة الصحابة رضوان الله عليهم ففيها إشارات مختلفة تدعم وجهة نظرنا التقليدية عن الوفاء بقصر النفس على المحبوب، فها هي نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان بن عفان تخطب في المسلمين بعد موته: "معاشر المؤمنين وأهل اللَّه لا تستكثروا مقامي، ولا تستكثروا كلامي، فإنى حزينة أُصِبْتُ بعظيم وتذوقت ثكلا من عثمان بن عفان ثالث الأركان من أصحاب رسول الله"، وتقول المصادر إن نائلة عاشت حافظة لذكرى عثمان، وظلتْ وفية له، فلم تتزوج وكانت من أجمل النساء. وكلما جاءها خاطب رَدَّتْه، ولما تقدم معاوية لخطبتها أَبَتْ، وسألت النساء عما يعجب الخطاب فيها، فقلن: ثناياك (وكانت مليحة وأملح ما فيها ثغرها) فخلعت ثناياها، وأرسلت بهن إلى معاوية، وحين سُئلت عما صنعتْ، قالت: حتى لا يطمع في الرجال بعد عثمان. وأيدت أم الدرداء وأبو الدرداء موقفها وهم من أجلاء الصحابة، فعن أم الدرداء أَنَّهَا قَالَتْ لأَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ الْمَوْتِ: إنَّكَ خَطَبْتَنِي إلَى أَبَوَيَّ فِي الدُّنْيَا فَأَنْكَحَاكَ، وَإِنِّي أَخْطُبُكَ إلَى نَفْسِكَ فِي الآخِرَةِ. قَالَ: فَلا تَنْكِحِي بَعْدِي، فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ، فَأَخْبَرَتْهُ بِالَّذِي كَانَ فَقَالَ: عَلَيْكِ بِالصِّيَامِ. فهل هذا هو الوفاء الحق ولكننا أعدنا قولبته حتى نستمر في الحياة؛ لأن الحي أبقى من الميت؟ وكيف يتفق هذا مع عموم وصف مجتمع المدينة أنه لم تبق فيه امرأة عَزَبة ولا أرملة ولا مطلقة دون زواج، بينما يزيد عدد الأرامل في العراق بعد الاحتلال على المليونين؟! نشرت مرة معلومة عن طائر الهدهد تقول: "هل تعلم أن الهدهد إذا غابت أنثاه لا يأكل ولا يشرب ولا يقطع الصياح حتى تعود إليه، فإن ماتت لا ينظر إلى أي أنثى بعدها أبداً، ويصيح عليها طول عمره حتى يموت"، وكانت المعلومة متبوعة بدعاء اللهم هدهد كل الرجال! فأرسل لي أحد الأخوة تعليقا يقول: "ومن سيكفل الأيتام والأرامل، ويوفر لهم حياة أسرية، ومن سيجبر خاطر العزباوات اللواتي فاتهن سن الزواج؟"، سكت لأن الجواب صعب على الناحيتين في مجتمع لا يعرف العدل ولا يحفظ الود! من يتحمل ضريبة الوفاء الأكبر في مجتمعاتنا؟ هذا السؤال، وما سبق برسم الفهم والنقاش