المناورات التي أجراها القسام وحملت اسم (درع القدس) تحمل قيمة كبيرة من كل النواحي، سواء من ناحية التوقيت، أو الرسائل، والدلالات، لأن هذه المناورات تتزامن مع متغيرات في الساحة الفلسطينية والعربية وحتى في المشهد الإسرائيلي، فقد جاءت متزامنة مع ذكرى انطلاقة حركة حماس الـ(34)، لتؤكد أن الحركة ماضية في طريق مقاومة الاحتلال حتى تحرير فلسطين، وأيضًا جاءت في ظل استمرار المناورات التي يجريها العدو والتي تحاكي شن حرب على القطاع وعلى جبهات أخرى، كما أنها تأتي في ظل تعثر ملف التبادل نتيجة مماطلة الاحتلال، لذلك كانت رسائل خاصة تشير لإمكانية أسر مزيد من الجنود، فضلًا عن أنها تأتي تجسيدًا لما حققته المقاومة في معركة (سيف القدس) لتقول للاحتلال إنك أكثر عجزًا من أن تقدر على هزيمة وردع المقاومة أو الحد من قدراتها.
وفي ذات الوقت تأتي هذه المناورات في ظل حالة مزرية ومشبوهة من التطبيع والتساوق مع العدو الإسرائيلي، لتقول الكتائب لجماهير أمتنا إن طريق المقاومة هي الطريق الأمثل للتعامل مع العدو الإسرائيلي، وإنه لا يمكن بحال التعايش معه، أو القبول به على أرض فلسطين، وإن كل ساعة تمر تمثل فرصة جديدة للإعداد ومراكمة القوة، كما أنها تثبت أن المقاومة هي الدرع الأمين على حقوق الفلسطينيين، وأنها الأقدر على رد العدوان، وأن القدس تشكل عنوانًا وبوصلة للمقاومة، إذ لا يمكن السماح بأي صورة للاحتلال أن يعتدي على القدس والأقصى، وأن أي اعتداء جديد يمثل حافزًا ودافعًا لتصعيد الاشتباك مع العدو.
وفي المشهد الإسرائيلي لا يزال العدو يعيش في ظلال الهزيمة التي تلقفها بعد فشله الذريع في تحقيق أي من أهدافه في المعركة الأخيرة، بعد أن أوقف النيران مرغمًا خشية من سقوط مزيد من الصواريخ على المدن الكبرى، في ظل فشل كل وحداته وتشكيلاته العسكرية في حسم المعركة، فجاءت المناورات لتهز أركان العدو، وتذكره بالخطر الداهم من غزة، وبما يمكن أن يحدث لجنوده في الفترة المقبلة، الأمر الذي سيدفعه لتعزيز قواته في مناطق الغلاف، وتحصين مواقعه، وإصدار توجيهات خاصة للجنود خشية من حدوث سيناريوهات كارثية قد يقع فيها جنوده أسرى في يد مقاتلي القسام، وفي ذات الوقت فإن هذه المناورات ستزيد من حالة التلاوم الداخلي داخل الكيان في ظل تبادل الاتهامات حول المسؤولية عن الفشل في ردع المقاومة، وعدم القدرة على هزيمة حركة حماس وإنهاء وجودها في القطاع.
كما يمكن قراءة رسائل ودلالات أخرى من خلال المشاهد التي سمح القسام بنشرها من خلال الصور والفيديوهات التي عرضت في منصاته ووسائل الإعلام المختلفة ومنها:
أولًا: تم وضع (الإشارات والرموز) الخاصة من خلال طاقم نخبوي يعمل في صفوف كتائب القسام، هذا الطاقم يقرأ العدو جيدًا، ويراقب جوانب معينة، ويرصدها بدقة وعناية، وهو من وضع اللمسات الاحترافية على هذا المناورات في إطار صياغة رسائل مشفرة للعدو وأخرى علنية.
ثانيًا: من الملاحظ أن قيادة الكتائب حرصت على منع ظهور أدوات ومعدات نوعية أو ثقيلة ولم تعطِ الضوء الأخضر لاستخدام صواريخ ثقيلة، واكتفت بعرض أسلحة خفيفة ومتوسطة استخدمها المقاتلون في تنفيذ المهمات القتالية التي ظهرت في المناورات.
ثالثًا: العمليات أخذت الطابع الهجومي وتنوعت ما بين (أسر جنود، وتفجير مواقع، واستهداف آليات مدرعة، وتصفية جنود، وإحكام السيطرة على مواقع، والاقتحام) وغيره.
رابعًا: ستخضع هذه المشاهد "لدراسة وتحليل عميق" وستكون هناك العديد من الاستخلاصات التي سيصل إليها العدو، والتي ستدفعه لاتخاذ تدابير مختلفة لتحصين مواقع وتأمين جنوده، لكنه لن يفلح في تفادي أي هجمات محتملة وسيكون نصيبه من الفشل كبيرًا في أي مواجهة قريبة.
خامسًا: استخدام اللغة العبرية من قبل قوات النخبة يدلل على أن الكتائب ذاهبة إلى تنفيذ عمليات كبرى تستهدف أسر مزيد من الجنود خصوصًا في ظل المشاهد التي تحاكي مثل هذه العمليات، كما أنه يعكس مدى التأهيل والتدريب النوعي الذي يخضع له مقاتلو القسام.
سادسًا: بعض الرسائل ومن خلال الرموز كانت تهزأ وتسخر من فرقة غزة ومن وحدات قتالية مختلفة في محيط القطاع، وتشير إلى أن المقاتلين قادرون على إهانة قوات العدو وهزيمته وإلحاق به خسائر فادحة سواء في: القوات البشرية أو المعدات.
سابعًا: كتبت عبارات تستهدف ما سمي (جمعية أصدقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي) والتي تحمل الرمز (FIDF) وهي جمعية أمريكية تستغل العمل الإنساني والإغاثي كغطاء للعمل لكنها في الحقيقة تمارس دورًا عدوانيًّا خطيرًا من خلال دعم القواعد العسكرية في محيط القطاع وتقديم الدعم اللوجستي لها، لذلك كانت الإشارة من خلال الكتابات بأنها (راعية الإرهاب).
ثامنًا: هذه المناورات هي رسالة للعدو بأن كتائب القسام جاهزة ومتأهبة لاي طارئ، ومستعدة للدخول في أي مواجهة متى فرضت الظروف والمعطيات ذلك، وهي صفعة جديدة له بعد مناوراته المكثفة التي كان يحاول فيها إرسال رسائل الخوف والتهديد والردع.
تاسعًا: مناورات اليوم وأمس كشفت زيف الدعاية الصهيونية، وداست هذه الأسطورة مجددًا تحت أقدام المقاتلين، ومزقت أحلام العدو في خفض قدرات المقاومة، وأصابته بخيبة أمل كبيرة وهو يشاهد قوة المقاومة تتعاظم في كل لحظة وهو عاجز تمامًا عن التحرك لأي مواجهة حقيقية.
عاشرًا: يحاول العدو التقليل من شأن هذه المناورات ويمارس تضليلًا على جمهوره ويحظر وصول الكثير من المواد من خلال مقص الرقيب حتى لا يؤثر ذلك في جبهته الداخلية ولا يؤدي الأمر لضغوط إضافية على قيادته ولا يشكل حافزًا لزيادة السخط الداخلي ضد أدائها، وخشية أن تتهم قياداته بالفشل.
أحد عشر: مماطلة العدو في ملف التبادل يدفع القسام للبحث جيدًا عن (زيادة الغلة) عبر تنفيذ عمليات أسر، تؤدي لتعزيز الملف، وتحسين ظروف التفاوض ورفع سقف المطالب، الأمر الذي سيجعل العدو في موقف صعب بل مأزق حقيقي سيدفعه في النهاية للرضوخ صاغرًا.