تعد أسواق الأسهم طريقة مربحة للغاية وشائعة لتنمية رأس المال، ويكفي أن نعلم أنه يتم تداول أكثر من 6 تريليونات دولار يوميا في "الفوركس" (forex) فقط، حسب ما ذكرت منصة "فاينانس ماغنتس" (finance magnates) في تقرير لها مؤخرا.
وإذا أضفنا إلى هذا الرقم ما يتم تداوله في أسواق الأوراق المالية المركزية الأخرى، مثل بورصات وول ستريت ولندن وطوكيو وغيرها من الأسواق، فإن الرقم يصبح مهولا فعلا، وفي الحقيقة فإن أسواق البورصة العالمية هي مصنع رأس المال، وقلعة الرأسمالية العالمية.
ومع التطور التقني الهائل الذي يشهده عصرنا بدخول منتجات الثورة الصناعية الرابعة -بما فيها الخوارزميات والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة- في كل مجال من مجالات الحياة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بحركة الأسواق؟
الإجابة بكل تأكيد نعم، فقد تزايد الاعتماد مؤخرا على استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بحركة سوق الأوراق المالية، ولكن ألا يمكن أن تؤدي الثقة العمياء في استخدام هذا الذكاء إلى خسارة رأس المال بالنسبة للمتداولين والمستثمرين في مختلف أرجاء العالم؟ وإلى أي حد نستطيع الاعتماد على هذه التكنولوجيا في التنبؤ بحركة الأسهم بدقة موثوقة؟
ناقش كل من سهراب مختاري، وكانغ كي ين، وجين ليو، وهم أساتذة في هندسة الحاسوب بجامعة فلوريدا الأميركية هذا الأمر في ورقتهم البحثية التي جاءت بعنوان "فعالية الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بسوق الأوراق المالية بناء على تعلم الآلة"، وذلك بحسب ما ذكرت "جامعة كورنيل" (Cornell University).
تحليل سوق الأسهم
قبل الدخول في عمق الدراسة، ناقش الباحثون الثلاثة طرق التحليل الرئيسية المستخدمة من قبل المستثمرين في مختلف أنحاء العالم لتوقع حركة السوق، حيث يتم استخدام الطريقتين التاليتين لتحليل حركة الأسهم في سوق الأوراق المالية:
"التحليل الأساسي" (Fundamental Analysis): تحاول هذه المدرسة المالية حساب القيمة الجوهرية للسهم بناء على إيرادات الشركة، وربحيتها، ودرجة السيولة المتوفرة لديها، وكفاءة التشغيل. ومن الناحية المثالية، إذا كانت القيمة الجوهرية أكبر من "آخر سعر تم تداوله" ("last traded price "LTP)، فيجب شراؤها، وإذا كانت قيمتها الجوهرية أقل من "آخر سعر تم تداوله"، فيجب بيعها.
"التحليل الفني" (Technical Analysis): تستخدم هذه المنهجية البيانات السابقة لسعر السهم باستخدام مجموعة من المؤشرات -مثل "مؤشر القوة النسبية" (RSI)، و"تقارب/تباعد المتوسط المتحرك" (MACD)، و"مؤشر تدفق الأموال" (MFI)- وتحاول معرفة حركة السوق من خلالها، فإذا أشار التحليل الفني إلى أن سعر السهم سيرتفع، فسيؤدي ذلك إلى إجراء أمر شراء، وإذا أشار التحليل إلى أن سعر السهم سينخفض، فسيؤدي ذلك إلى اتخاذ أمر بالبيع.
الدراسة ناقشت طرق التحليل الرئيسية المستخدمة من قبل المستثمرين في مختلف أنحاء العالم لتوقع حركة السوق (غيتي)
وهناك نماذج أخرى مستخدمة في التنبؤ، ومنها:
"فرضية السوق الكفء" (EHM): تشير هذه الفرضية إلى أن سعر السهم يتحرك في اتجاه المشاعر العامة الذي هو رد فعل لآخر الأخبار الاقتصادية والسياسية المنشورة في العالم.
"فرضية السوق التكيفية" (AHM): تحاول توقع اتجاه حركة السوق باستخدام النظريات القائمة على علم النفس.
وعودة للدراسة التي حاولت معالجة مشكلة إمكانية التنبؤ بحركة سوق الأوراق المالية باستخدام الذكاء الاصطناعي والخوارزميات المبنية على التعلم الآلي، من أجل القيام بذلك درس الباحثون المدرستين الرئيسيتين المتبعتين في تحليل حركة السوق -وهما طريقة التحليل الفني وطريقة التحليل الأساسي- وتم التأكد من فعالية الخوارزميات المبنية على التعلم الآلي في توقع حركة الأسواق المالية باستخدام الطريقتين المذكورتين.
من أجل ذلك، تم استخدام مجموعات البيانات المصنفة سابقا لتدريب الخوارزميات على التنبؤ، كما تم استخدام مقاييس التقييم لفحص دقة الخوارزميات في عملية التنبؤ. وأظهرت النتائج أن نموذج "الانحدار الخطي" الذي اتبعه الباحثون يتنبأ بسعر الإغلاق بشكل ملحوظ مع هامش خطأ ضيق عند استخدام طريقة التحليل الفني، أما عند استخدام الخوارزميات للتنبؤ بطريقة التحليل الأساسي، فقد تمكن النموذج من التنبؤ بحركة السوق بنسبة وصلت دقتها إلى 76%.
نتائج الدراسة
تشير هذه النتائج إلى أنه على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يمكنه التنبؤ باتجاهات أسعار الأسهم أو الشعور العام بشأن حركة الأسواق المالية، فإن دقته ليست كافية. علاوة على ذلك، في حين أن نموذج "الانحدار الخطي" يمكن أن يتنبأ بسعر الإغلاق بهامش معقول من الخطأ، فإنه لا يمكنه التنبؤ بدقة بالقيمة نفسها ليوم العمل التالي، أي أن هذه القدرة على التنبؤ صالحة ليوم عمل واحد فقط.
وبالتالي، فإن هذا النموذج المبني على الذكاء الاصطناعي لا يمكن استخدامه في الاستثمارات طويلة الأجل. ومن ناحية أخرى، دقة الخوارزميات في التنبؤ بشراء أو بيع أو الاحتفاظ بسهم ما ليست مرضية بدرجة كافية، ويمكن أن تؤدي إلى خسارة رأس المال.
وبناء على هذه الدراسة، استنتج الباحثون أن الذكاء الاصطناعي ليس قادرا حتى الآن على التنبؤ بحركة سوق الأوراق المالية بدقة موثوقة يمكن الاطمئنان إليها.