استذكر عضو المكتب السياسي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" زاهر جبارين، بدايات العمل المقاوم للشهيد المهندس يحيى عياش، بما فيها ظهور فكرة صنع المتفجرات والقيام بالعمليات الاستشهادية.
بداية العمل مع المهندس
وقال جبارين، الأسير المحرر من سجون الاحتلال، في لقاء صحفي، إن "بداية معرفتي بالمهندس كانت منذ عملي كمسؤول في الانتفاضة الأولى 1987 عن السواعد الرامية في سلفيت شمالي الضفة، والتي كان يرتكز عملها على المواجهات مع الاحتلال، والكتابة على الجدران، وكانت بمثابة الجناح العسكري لحماس حينها، وكان عياش يقود السواعد في بلدته رافات التابعة تنظيميا لسلفيت".
وأضاف: "في عام 1990، بعث عياش رسالة لقيادة الحركة يقول فيها إنه وصل لطريقة عمل المتفجرات وصناعتها، وأرسل عينة استطاع صنعها بنفسه، ووصلت الرسالة لي مع العينة، وخبأتها، ولكن حصلت حملة اعتقالات كبيرة وضربة لحماس بعد عملية الطعن التي نفذها أشرف البعلوجي في العام ذاته، اعتقلتُ فيها مع حوالي ألف من كوادر الحركة".
وأشار جبارين إلى أن فكرة صناعة المتفجرات بقيت طي الكتمان حتى أواخر 1991، متابعاً: "عقب خروجي من السجن شكلت مع عدنان مرعي وعلي عاصي خلايا القسام الأولى، وبدأنا بالعمل ضد العملاء وخطفهم والتحقيق معهم".
وزاد: "كنا نحصل على الأسلحة بتجميع ثمنها من تبرعات المجاهدين، فمثلاً علي عاصي باع مركبته وتبرع بثمنها، وعدنان مرعي تبرع بذهب زوجته، وحصلنا على أسلحة بسيطة من مطاردين في تلك الفترة، مثل سلامة مرعي، ونديم دوابشة".
التعرف على العاروري وتنظيم العمل
ولفت جبارين إلى أنه "خلال تلك الفترة؛ تعرفنا على الشيخ صالح العاروري، واتفقنا على تطوير العمل المقاوم، وانتقل إخوة مطاردين من قطاع غزة للضفة الغربية من أجل دعم وتطوير العمل".
ونوه إلى أن "عياش لم يكن مطارداً عند تنظيمه لكتائب القسام 1991، وكان ميسور الحال، يملك مركبة، ومتزوج، ولديه منزل وعمل، ولكن كانت فلسطين كل همِّه وتفكيره".
وقال جبارين: "توجهت إلى عياش وأخبرته بوجود مطاردين من غزة، وأنني أريد مكاناً لإيوائهم، فوافق وهو مسرور، واستضاف عنده طلال نصار والشهيد سعد العرابيد، ووقتها توجه عماد عقل لمنطقة الخليل".
وأضاف: "بدأنا التجهيز للعملية الأولى التي كانت من تخطيط وقيادة الشيخ صالح العاروري، الذي طلب مني إحضار استشهاديّ، فكان ذلك من نصيب محمد بشارات من طمون قرب طوباس".
وأشار جبارين إلى أن أفراداً من قوات الاحتلال كانوا يتخفون في ملابس فلسطينية ويعتقلون ويغتالون الناشطين، تحت مسمى "المستعربين"، متابعاً: "عملنا على عكس ذلك؛ فألبسنا الشاب زياً عسكرياً يشبه ملابس الجنود، وزودناه بسلاح قصير من نوع (إم 16) ونفذ عمليته في كانون أول/ديسمبر 1992 في التلة الفرنسية، وقُتل فيها وأصيب عشرات الجنود".
وأردف: "عقب هذه العملية؛ اعتُقل الشيخ صالح العاروري، مع عدد كبير من القيادات والكوادر، وأصبحت مطارداً للاحتلال".
اللقاء مع المهندس وتحضير المتفجرات
وقال جبارين: "توجهت بعدها بأيام إلى جامعة بيرزيت شمال مدينة رام الله (وسط الضفة)، والتقيت مع المهندس يحيى عياش، الذي كان يجهز حينها لمشروع تخرجه".
وأضاف أنه "في نفس الفترة؛ نجحت في استقطاب المهندس صالح التلاحمة للعمل معنا، وكان عمله وجهاده لا يقل عن باقي المجاهدين، حيث تسلم مسؤولية الجنوب في كتائب القسام، وتابع عمل المطاردين، مثل محمد عزيز وغيره".
وتابع جبارين: "عندما التقيت مع عياش؛ أخبرته عن الرسالة التي بعثها، وعن قدرته على صناعة المتفجرات، فسألته من أين نبدأ، وما هي المواد المطلوبة، وكم ثمنها، فأجاب أن 500 دينار أردني كفيلة بتجهيز الكمية التي نريدها، ولكنه رفض أخذ أي مقابل لشراء هذه المواد، وتكفل بها جميعا من ماله الخاص".
وزاد: "بعد تجهيز العبوة؛ ذهبنا لمكان بين بلدتي قراوة بني زيد وفرخة التابعتين لرام الله، لتجربة عملية لهذه العبوة التي لم نكن نعرف عنها شيئاً، وكنت أنا والمهندس وعلي عاصي وعدنان مرعي، ومع أول تجربة؛ فشل التفجير".
وأردف جبارين: "كانت العبوة مربوطة بمؤقت، فرفض المهندس تركها في المكان، خوفاً من تعرض أي شخص للأذى، وخاطر بنفسه من أجل فكها وحملها".
وكشف أنه في "في المرة الثانية بعد أسبوع؛ كنا قد اكتشفنا الخلل في العبوة الأولى حيث كان في الصاعق، فاقترحت إضافة أكثر من صاعق داخل العبوة، وعمل طريقة آمنة له تحفظه من التلف".
وقال جبارين: "أجرينا التجربة الثانية بوجود الأشخاص أنفسهم، ونجحت، وحصل انفجار كبير بدأنا بعده بالتكبير والتهليل، وشعرت كأننا ملكنا الدنيا بما فيها".
وأشار إلى أن كل الذي قام به المهندس عياش "هو من إبداعه الذاتي، فلم يعلّمه ولم يساعده أحد، سوى أنه استقى المعلومات من كتاب موسوعة المتفجرات البريطانية".
ولفت القيادي في "حماس" إلى حصول نقاش بينه وبين المهندس حول العبوات الجديدة، وجدوى استمرار العمل فيما يسمى بـ"الأكواع"، وهي متفجرات صغيرة مصنوعة من ماسورة حديد صغيرة.
وأضاف: "تساءلت حينها؛ لماذا لا تكون هذه المتفجرات بكمية أكبر، وفي عبوة كبيرة مثل عبوة الغاز، فأجاب المهندس بالموافقة، وأعرب عن استطاعته فعل ذلك، وبقدرة تفجيرية كبيرة".
أولى عمليات المهندس
وتحدث جبارين عن أول عملية تحوي كمية كبيرة من المتفجرات، حيث خُطط لها أن توقع ما بين 200 و300 جندي، والذين كان من المقرر تجمعهم في صالة بمنطقة "رمات أفعال" في "تل أبيب".
وأوضح أن "هذه العملية لو حصلت؛ لكانت بمثابة زلزال، ولغيرت الكثير من المعادلات"، ولكنها لم تنجح "بسبب قلة الخبرة، واستخدام سيارة مسروقة اكتشفها الاحتلال".
وأشار جبارين إلى أن "هذا أعقبه أول العمليات الاستشهادية، ونفذها الشهيد ساهر التمام، الذي دخل قرعة بينه وبين أشرف الزاوية وسلامة مرعي لمن ينفذ هذه العلمية، وبعدها انطلق مركب العلميات الاستشهادية".
ونوه إلى أنه "في نفس هذه الفترة؛ تم تكليف الشهيد محمود أبو هنود بالعمل العسكري، وكنت أنام عنده في منزله في عصيرة الشمالية شمال نابلس، بعد أن عرّفني عليه عمر دغلس".
مواقف مع عياش
وقال جبارين: "لا أزال أذكر أحد المواقف المؤثرة مع المهندس، حيث كنا في أحد المنازل داخل نابلس أثناء شهر رمضان، وذهبت لإحضار الفطور، وكان عبارة عن دجاجة مع مقبلات ومشروبات غازية، وكلفتني فترتها 11 شيكلا فقط، فغضب المهندس وقال: الله أكبر! هذا إسراف شديد!".
وأضاف القيادي في "حماس": "لم أشاهد أحداً بمثل تواضع المهندس عياش، وإخلاصه الشديد في العمل، فكل همة وتفكيره في العمل، ولم يطلب على عمله أي مقابل".
وتابع: "من شدة تواضعه؛ لم يكن يعرفه المتواجدون في كثير من الجلسات، وكأنه أصغر جندي عند إخوانه، وكان يستجيب لأي أمر، ولا يتحرك إلا بتوجيه.. خفيف الظل، ورب العالمين كان يرعاه ويحميه، ويحفه بعنايته".
ولفت جبارين إلى أنه عرض على المهندس يحيى عياش "فكرة تصوير فيديو يتحدث فيه عن جهاده وعملياته، وعن الشهداء الذين رافقهم، بحيث يُعرض بعد استشهاده، فرفض واعتبر ذلك رياءً".
وفي 1996، اغتالت مخابرات الاحتلال الداخلية المُسماة بـ"الشاباك"، يحيى عيّاش، عن طريق هاتف محمول مفخخ، أثناء وجوده في مدينة غزة، وذلك بعد مطاردته لعدة سنوات، وعدد من محاولات الاغتيال الفاشلة.
واتهم الاحتلال الإسرائيلي عياش، المُلقب بـ"المهندس"، بالمسؤولية عن قتل عشرات الإسرائيليين، والتخطيط لعمليات تفجيرية نُفذت في "مدن إسرائيلية" بالداخل المحتل.
واعتبر رئيس حكومة الاحتلال في حينه، شمعون بيريز، اغتيال عياش، انتصاراً كبيراً، نظراً لفداحة الهجمات التي خطط لها عياش، وقدرته الكبيرة على التخفي.
وتمت عملية الاغتيال بعد أن تمكن عميل للاحتلال، من توصيل هاتف محمول "مفخخ"، إلى القيادي عيّاش، عن طريق ابن شقيقته، الذي كان أحد مرافقيه.
وعقب مذبحة المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل - والتي نفذها مستوطن إسرائيلي ضد المصلين في 25 شباط/فبراير 1994، وأسفرت عن مقتل 29 فلسطينياً وجرح نحو 150 آخرين - طوّر عياش أسلوباً في الهجمات سمي بـ"العمليات الاستشهادية"، واعتبر مسؤولاً وقتها عن سلسلة هذا النوع من الهجمات، ما جعله على رأس المطلوبين.