وقعّت المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية -الأربعاء الماضي الخامس من يناير/كانون الثاني الجاري عبر تقنية الاتصال المرئي- على اتفاقية "خطة التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق".
ومنذ انطلاقها، كان المغرب من أوائل البلدان في أفريقيا التي انضمت إلى مبادرة "الحزام والطريق"، من خلال التوقيع سنة 2017 على مذكرة تفاهم تسمح للمملكة بإقامة عدة شراكات في قطاعات واعدة مثل البنية التحتية، والصناعات المتطورة والتكنولوجيا.
وتقوم مبادرة الحزام والطريق -التي تعرف أيضا باسم طريق الحرير الجديد أو طريق الحرير للقرن الـ21- على ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية، لربط أكثر من 70 دولة، وكان قد أطلقها الرئيس الصيني عام 2013، وتهدف إلى إنشاء حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى أفريقيا وأوروبا، بكلفة إجمالية تبلغ تريليون دولار.
وإذا كانت الصين تبحث من خلال خطتها عن تعزيز ولوج صادراتها لمختلف دول العالم، فكيف سيستفيد المغرب من هذه الخطة؟
التمويل وجذب الاستثمار
وفق وزارة الخارجية المغربية تهدف اتفاقية "خطة التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق" إلى تشجيع الولوج إلى التمويلات الصينية المنصوص عليها في "مبادرة الحزام والطريق"، بهدف إنجاز مشاريع في المغرب، وتسهيل المبادلات التجارية، وتأسيس شركات مختلطة في مختلف المجالات (المناطق الصناعية والطاقات، بما في ذلك الطاقات المتجددة).
كما تهتم هذه الاتفاقية -وفق المصدر ذاته- بالتعاون في البحث والتنمية (التكنولوجيا، الطاقة، الزراعة…) والتعاون التكنولوجي والتقني، فضلا عن التكوين المهني.
وتتعهد الحكومة الصينية -بموجب هذه الاتفاقية- بتشجيع الشركات الصينية الكبرى على الاستثمار بالمغرب خصوصا في صناعة السيارات، والطيران، والتكنولوجيا الفائقة والتجارة الإلكترونية، والصناعة الزراعية والنسيج.
وقال وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة -خلال كلمته- إن "مبادرة الحزام والطريق" تفتح آفاقا جديدة في مجال التجارة والاستثمارات، وتجلب فرصا إضافية تتوافق مع النموذج التنموي الجديد للمملكة.
وقال رئيس جمعية الصداقة والتبادل المغربية الصينية محمد خليل -في حديث مع الجزيرة نت- إن الاتفاقية خطوة مهمة جاءت لتنفيذ اتفاقيات إستراتيجية سابقة، خصوصا الشراكة الإستراتيجية بين المغرب والصين في 2016، واتفاقية 2017.
واعتبر خليل أن المغرب يراهن على جلب المزيد من الاستثمارات، وعبّر عن تفاؤله؛ خصوصا أن الاتفاقية ترعاها الدولة التي تشجع الشركات الصينية على الاستثمار. ويرى أن الخطوة الجديدة تزيد من تشجيع المستثمرين الصينين، مشيرا إلى أن الأرضية مهيأة للصينين الذين يتعرفون على المغرب تدريجيا، ويهتمون به كوجهة للاستثمار.
وكان ملك المغرب محمد السادس قد قام بزيارة رسمية للصين الشعبية سنة 2016، والتي شهدت توقيع إعلان مشترك بخصوص الشراكة الإستراتيجية، بالإضافة إلى 32 اتفاقية، ومذكرة تفاهم في عدة مجالات.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020 دخلت مجموعة استثمارية صينية بحصة 35% في شركة تهيئة "مدينة محمد السادس طنجة-تيك"، وهي مدينة صناعية عصرية، متصلة بالتكنولوجيات الجديدة، يتوقع أن توفر حوالي 100 ألف منصب شغل مباشر.
المغرب والصين وقعا الاتفاقية الأربعاء الخامس من يناير/كانون الثاني الجاري عبر تقنية الاتصال المرئي (مواقع إلكترونية)
شراكة ودينامية
ويؤكد بوريطة أن خطة التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق تمثل أداة متكاملة لتعزيز الشراكة الثنائية وللتدبير الإستراتيجي، والتفعيل الملموس لشراكة شاملة.
ونمت التجارة البينية بين الصين والمغرب بنسبة 50% خلال السنوات الخمس الماضية، من متوسط 4 مليارات دولار في 2016 إلى 6 مليارات بحلول 2021.
وبعد رفع التأشيرة عن السياح الصينيين أصبح مشهد جموع السياح الصينين مألوفا (خصوصا قبل الجائحة) وشهدت مجموعة من المدن المغربية افتتاح مطاعم صينية بها، وتنامى قطاع السياحة بنسبة 20 ضعفا، حيث انتقل عدد الزوار الصينيين من 10 آلاف فقط سنة 2015 إلى 200 ألف شخص سنة 2018.
وينشط في المغرب أكثر من 80 مشروعا مشتركا مع الصين أو شركات صينية، قيد الإنجاز في جميع أنحاء المملكة، وحافظ المغرب والصين على تعاون متعدد الأبعاد، تجلى في فترة جائحة كوفيد-19، من خلال الشراكة في مجال الصحة والتلقيح، والتي توجت بالتوقيع في يوليو/تموز 2021 على مذكرة تعاون بشأن اللقاح المضاد لكوفيد-19 بين المغرب والمجموعة الصيدلية الوطنية للصين "سينوفارم" (Sinopharm)، ومذكرة تفاهم حول إعداد قدرات تصنيع اللقاحات بالمملكة المغربية بين المغرب وشركة "ريسيفارم" (Recipharm)، وعقد وضع رهن إشارة المغرب منشآت التعبئة المعقمة لشركة "سوطيما" (Sothema) المغربية المتخصصة في صناعة الأدوية، من أجل تصنيع اللقاح المضاد لكوفيد-19.
ووفق نينغ جي نائب رئيس اللجنة الوطنية الصينية للإصلاح والتنمية بلغت الاستثمارات المباشرة للصين في المغرب 380 مليون دولار، غالبيتها مخصصة للبنيات التحتية والاتصالات والصيد البحري.
وبلغ حجم التجارة الثنائية 4.76 مليارات دولار، بزيادة قدرها 2% على الرغم من جائحة كوفيد-19 وركود التجارة الدولية، ويتوقع أن يتجاوز حجم التجارة 6 مليارات دولار هذا العام.
منفعة ثلاثية
يقول بوريطة إن الشراكة بين المغرب والصين تستمد قوتها من الانفتاح على أفريقيا، مشيرا إلى أن الاتفاقية الموقعة تنص صراحة على تعاون ثلاثي الأطراف لفائدة القارة.
وأبرز أن المغرب والصين سينكبان على الإطلاق والتنفيذ المشترك لمشاريع تعاون ثلاثية الأطراف، تهدف إلى النهوض بالتنمية المستدامة في أفريقيا، وخلص بوريطة إلى أن المغرب -الذي يفرض نفسه كبلد أفريقي وعربي ومتوسطي محوري في تفعيل "مبادرة الحزام والطريق"- شريك له نفس طموح الصين المتمثل في جعل "مبادرة الحزام والطريق" نجاحا للتعاون جنوب-جنوب.
وكانت السلطات الصينية قد منحت المغرب صفة "الدولة المحورية" في إطار مبادرة "الحزام والطريق".
ويقول محمد خليل إن المغرب بحكم موقعه الجغرافي القريب من أوروبا والعلاقات المتميزة التي تربطه مع دول غرب أفريقيا، بالإضافة لارتباطه بأكثر من 45 اتفاقية تبادل حر مع دول عديدة، يعتبر جسر تعاون في المجال الأفريقي.