أظهر تحقيق داخلي فيشرطة الاحتلال، أن الجهاز يستخدم برامج التجسس التابعة لشركة السايبر الهجومي الإسرائيلية NSO، عشرات المرات سنويا، للتجسس على مشتبهين في قضايا جنائية، بحسب ما ذكر تقرير لموقع "هآرتس"، نشر مساء الأربعاء.
في المقابل، كشف تقرير للقناة 12 العبرية، أن شركة NSO زودت شرطة الاحتلال ببرنامج تجسس على غرار برنامج بيغاسوس، يتيح لها الالتفاف على القانون الإسرائيلي الذي يتيح لأجهزة إنفاذ القانون التنصت على متهمين بقضايا جنائية، وتضليل السلطة القضائية لمنح أمر من المحكمة يشرعن تجاوزات الشرطة.
جاء ذلك في أعقاب التحقيق الذي نشرته صحيفة "كلكليست"، الثلاثاء، ومفاده أن الشرطة تستخدم برنامج التجسس "بيغاسوس" (Pegasus) التابع لشركة NSO، لاختراق الهواتف المحمولة للمدنيين، بما في ذلك أشخاص غير متورطين في قضايا جنائية، دون استصدار أمر من المحكمة، وفي إطار عملية تحقيق غير معلنة.
وبحسب "هآرتس" فإن نتائج التحقيق الداخلي لدى شرطة الاحتلال ستعرض على المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، ووزير الأمن الداخلي، عومير بار-ليف؛ في حين علقت الشرطة على تقرير "هآرتس"، بالزعم أنها "تحصل على موافقة قضائية على أي إجراء من هذا القبيل".
وذكر التقرير أن الشرطة تحقق في هذه الأثناء في جميع الحالات التي استخدمت فيها برامج التجسس التابعة لـNSO. كما تعمل على التأكد مما إذا كانت أي عمليات تجسس باستخدام البرنامج قد تم إجراؤها وفقًا لقانون التنصت على المكالمات الهاتفية، والذي يتطلب استصدار أمر من رئيس محكمة مركزية أو نائبه للتنصت على المكالمات الهاتفية.
وأشار إلى أن الشرطة قدمت في السنوات الأخيرة آلاف طلبات التنصت على المكالمات الهاتفية سنويا، إلا أن ادعاءات الجهاز تشير إلى أنه "يتم استخدام برنامج NSO في عدد صغير نسبيًا من هذه الحالات"؛ ونقلت الصحيفة عن مصدر في الشرطة حالتين استخدمت فيهما الشرطة البرنامج في الأشهر الأخيرة: الحالة الأولى هي قضية قتل في المجتمع العربي "تم حلها عن طريق التنصت على المكالمات الهاتفية". الحالة الثانية هي قضية فساد في سلطة محلية ما زالت قيد التحقيق، وتتضمن اشتباهًا بقبول رشوة.
ولفتت "هآرتس" إلى أنه على مدار العام ونصف العام الماضي، أبقت النيابة العامة، طي الكتمان، أسلوب الشرطة في التنصت على المكالمات الهاتفية في جريمتي قتل في المجتمع العربي. في الأولى، تم التحقيق في مقتل راشد دويكات من يافا في أيلول/ سبتمبر 2020، وفي الثانية، جرى التحقيق في جريمة قتل مزدوجة لشافع وصلاح أبو حسين من باقة الغربية في طولكرم في نيسان/ أبريل 2021.
وادعت مصادر "هآرتس" في الشرطة أن الجهاز يستخدم مثل هذه الوسائل التكنولوجية لأغراض التنصت فقط وليس "لاستخراج وسحب المعلومات" من الهواتف المحمولة، وهي الميزة التي يتمتع بها برنامج بيغاسوس، الذي يتيح لمشغله السيطرة الكاملة على جهاز المستهدف بما في ذلك الميكروفون والكاميرا، بالإضافة إلى إمكانية الولوج إلى الملفات المحذوفة.
ما الصلاحيات التي يمنحها القانون للشرطة؟
وتعتمد الشرطة للتجسس على هواتف المواطنين، على قانون تم سنه في العام 1979 - أي قبل عام من تأسيس شركة بيزيك الإسرائيلية - وبطبيعة الحال، قبل عصر الهواتف المحمولة والأجهزة الذكية وأجهزة الاتصالات المتطورة التي تستخدم حاليا.
والقانون الإسرائيلي في هذا الشأن، يتطرق إلى التنصت على المكالمات الهاتفية، دون التطرق إلى التطبيقات الجديدة للمراسلة، أو السيطرة على ميكروفونات الأجهزة أو حتى أجهزة الكاميرا فيها، وبالتالي، فإن القانون يتيح التنصت بالوقت الفعلي على مكالمات المستهدف، ولا يشير إلى إمكانية العودة إلى الخلف للتجسس "المستهدف" وإعادة تحميل الملفات المحذوفة من جهازه.
وكشفت القناة 12 الإسرائيلية أن شركة NSO زوّدت الشرطة ببرنامج شبيه ببرنامج بيغاسوس لكنه ذو إمكانيات محدودة مقارنة ببرنامج التجسس الأخطر بالعالم (بيغاسوس)، إذ يتيح لها التجسس على الرسائل النصية وكل محتويات الهاتف الذكي، لكنه يمنع المشغل من العودة إلى الوراء للاطلاع على الأنشطة التي نفذت سابقا في الجهاز.
ولاستصدار أمر قضائي، ذكرت القناة 12 أن الشرطة، على الرغم من القانون القديم الذي لا يجاري متطلبات العصر، قدمت طلبات للقضاة، لكنها تمتنع عن التوضيح للقاضي أن التنصت يشمل في الواقع قراءة المراسلات النصية للشخص المستهدف عن بُعد، أو استخدام الهاتف الخلوي كميكروفون يسجل محادثات "المشتبه به".
وادعت القناة أن البرنامج المحدود الذي زودت به NSO جهاز الشرطة، والذي أسمته القناة بـ"ميني بيغاسوس"، لا يتيح للشرطة الولوج إلى كل محتويات الهاتف، بما في ذلك الملفات المحذوفة، إذ أنه من الناحية القانونية، يقتصر التنصت على المكالمات الهاتفية التي تجري في الوقت الفعلي.
وفي وقت سابق، الأربعاء، قال ضباط في الشرطة الإسرائيلية إن القضاة يوقعون أمرا للتنصت على مواطنين بناء على طلب الشرطة لا يعلمون أية وسائل ستستخدم في عملية التنصت، وفق ما نقلت عنهم صحيفة "هآرتس".
ووفقا لضباط الشرطة، فإن الشرطة تذكر في الطلب الذي تقدمه إلى قاض، من أجل استصدار أمر بالتنصت السري على مواطن، الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها بواسطة التنصت والشبهات ضد مواطنين. ولا تقدم الشرطة تفاصيل بشأن البرنامج أو النظام الذي تنفذ التنصت بواسطته.
وبحسب الشرطة، فإن الغالبية العظمى من طلبات التنصت يوافق عليها القضاة. وفي العام 2020 قدمت الشرطة 3692 طلبا للتنصت، ورفض القضاة 26 منها فقط.
وأكد ذلك قاضيان متقاعدان طولبا بالمصادقة على طلبات تنصت في السنوات الماضية. ووصف أحدهما (كان يتولى منصب قاض في محكمة مركزية)، إجراءات إصدار أمر تنصت، بالقول: "يأتي ضابط الشرطة ويقول "نطلب إجراء تنصت’، وهذا كل شيء. من دون التطرق إلى أي نوع من التنصت، وبأي برنامج وأي نظام. ولم يكشفوا أمامنا هذه الأمور أبدا".
وأضاف "دورنا هو التيقن من أن الطلب مبرر ويوجد أدلة كافية تسند شبهة تبرر استهداف خصوصية المشتبه به. وإذا استخدمت الشرطة المواد غير المرتبطة بالمخالفة لأمور أخرى، فإن هذا مخالف للقانون بالتأكيد ويتجاوز التصريح الذي منح لها".
وأثار تقرير "كلكليست" ضجة واسعة وتناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية بتوسع، ونُشرت مقالات تنتقد التجسس على المواطنين، وتعتبر أن "الديمقراطية في أزمة" رغم أن هذه الممارسات جارية منذ عقود، وخاصة ضد مواطنين عرب ينشطون في المجال السياسي. إلا أن الصحافية في "هآرتس"، نوعا لانداو، لفتت إلى أن "إسرائيل هي ديمقراطية – ليبرالية حريصة على حقوق الإنسان وحكم القانون فقط عندما يتعلق الأمر بالإسرائيليين، وليس بالساحة الخلفية الفلسطينية".
وأشارت لانداو في هذا السياق إلى استخدام "بيغاسوس" في التجسس على ناشطين في ستة مؤسسات حقوقية فلسطينية، الذي تم الكشف عنه بعد إخراج سلطات الاحتلال هذه المؤسسات عن القانون، مستخدمة مزاعم واهية. وكان تقرير "كلكليست" قد أشار أمس إلى أن استخدام برامج مثل "بيغاسوس" من جانب الوحدة 8200، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وأن هذا أمر واضح وجيد لأنه يمارس ضد الفلسطينيين، "في إطار تحقيقات وعمليات توجد لحقوق الفرد أهمية ضئيلة، إذا كانت لها أهمية أصلا".