اعتبرت مجلة "رسبونسيبل ستايت كرافت" أن علاقات الاحتلال الإسرائيلي المزدهرة مع مختلف الأنظمة العربية الاستبدادية أصبحت تمثل أحد أهم التطورات في الشرق الأوسط الحديث.
على الرغم من أن هذه الروابط رفيعة المستوى قد توسعت بشكل كبير لأكثر من عقدين من الزمن، إلا أنها تطورت إلى حد كبير من التعاون وراء الكواليس إلى أشكال أكثر وضوحا من التنسيق، لا سيما بعد الانتفاضات العربية عام 2011 والتي بلغت ذروتها في عام 2020 بإمضاء "اتفاقات أبراهام"، بين الاحتلال والبحرين والإمارات العربية المتحدة، وتوسعت لاحقا لتشمل المغرب والسودان.
وبحسب المقال، شدد التركيز الساحق للتحليلات التي تسعى إلى فهم هذه العلاقات في المقام الأول على كيفية قيام الأهداف الجيوسياسية المشتركة بجمع هذه الجهات الفاعلة معا، خاصة بعد عام 2011.
وعلى الرغم من أن عدسة السياسة الواقعية تلتقط بالتأكيد العناصر الحاسمة لهذه العلاقات، إلا أنها تتجاوز مجرد الجغرافيا السياسية: هناك عنصر معياري قوي متجذر في روح الثورة المضادة المشتركة بين هؤلاء الفاعلين الذين ينظرون إلى الديمقراطية - في أي مكان في المنطقة - على أنها لعنة لبقائهم على قيد الحياة. في الفترة التي لحقت الانتفاضات العربية، انخرطت إسرائيل جنبا إلى جنب مع شركائها الإقليميين في حملة متطورة للثورة المضادة تهدف ليس فقط إلى الحفاظ على توازن القوى الإقليمي السائد، ولكن أيضا لمنع ظهور نموذج ديمقراطي شعبي من الظهور في الشرق الأوسط.
إن فهم هذه الرغبة المشتركة لكل من تل أبيب والأنظمة العربية المختلفة في الحفاظ على الوضع الاستبدادي الإقليمي الراهن أمر بالغ الأهمية لفهم النطاق الكامل لهذه العلاقات.
وذكر الموقع أن "إسرائيل تقدم نفسها كملاذ للديمقراطية داخل جوار صعب من الاستبداد والعنف المتأصل والتخلف. على سبيل المثال ، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول ديفيد بن غوريون ذات مرة: نحن (إسرائيل) نعيش في القرن العشرين، وهم [العرب] في القرن الخامس عشر"، وشدد على أن إسرائيل تمثل "مجتمعا حديثا في وسط عالم من القرون الوسطى".
كما ردد وزير الحرب الإسرائيلي السابق إيهود باراك نفس الرسالة، الذي غالبا ما أشار إلى أن "إسرائيل" على أنها "فيلا في غابة" و"قلعة في الصحراء" لوصف علاقة الاحتلال بالعرب.
وفي كتابه "مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم"، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو إن "العنف منتشر في كل مكان في الحياة السياسية لجميع الدول العربية. وهو الأسلوب الأساسي في التعامل مع الخصوم، الأجانب والمحليين، العرب وغير العرب".
وكما جادل المؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم سابقا ، الذي اعتبر أن مثل هذه النظرة للعالم "تُرجمت إلى مفهوم جيواستراتيجي" حيث تكون الدولة الصهيونية "محاصرة بشكل دائم في تحالف مع الغرب ضد الشرق"المتخلف".
على الرغم من الخطاب القائم على الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي يتبناه قادته، عارض الاحتلال الإسرائيلي التحولات الديمقراطية في الشرق الأوسط واستفادت من افتقار المنطقة إلى الديمقراطية.
وبحسب المقال، فإن "إسرائيل هي قوة الوضع الراهن في الشرق الأوسط وتعتمد بشكل كبير على الحفاظ على الحكومات غير الديمقراطية في المنطقة، حتى بعض المؤيدين الأمريكيين المخلصين لإسرائيل يعترفون بذلك، كما جادل روبرت كاجان بعد الانقلاب العسكري عام 2013 الذي أطاح بحكومة منتخبة ديمقراطيا في مصر".
وكتب كاجان : "بالنسبة لإسرائيل، التي لم تدعم الديمقراطية في أي مكان في الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل، فإن وجود ديكتاتورية عسكرية وحشية مصممة على القضاء على الإسلام السياسي ليس فقط مقبولا ولكنه مرغوب فيه".
تخشى إسرائيل أن تكون الحكومات الشعبية في المنطقة المسؤولة أمام شعوبها أكثر مطالبة في النضال من أجل الحقوق الفلسطينية والتسوية الحقيقية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يظل الرأي العام العربي مؤيدا بحزم لمحنة الفلسطينيين. على الرغم من أن انتفاضات عام 2011 كانت مدفوعة بمطالبات العدالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تركزت بشكل أساسي على المستوى المحلي، إلا أن رمزية فلسطين كانت تظهر في كثير من الأحيان خلال هذه المظاهرات.
وما يثير قلق "إسرائيل" بشكل خاص هو مصر والأردن المجاوران ، وكلاهما عقد معاهدات سلام مع تل أبيب. ومصر هي أكثر دول العالم العربي من حيث عدد السكان وتقع على حدود قطاع غزة بينما تحكم الأردن أقلية هاشمية على أغلبية فلسطينية ويحدها الضفة الغربية. إذا ظهرت ديمقراطيات حقيقية في هذه البلدان ، فيمكنها أن تلعب دورًا أكثر بروزًا في الدفع من أجل الحقوق الفلسطينية، بحسب الموقع
وذكر المقال أن "إسرائيل تستفيد أيضًا من غياب الحكم الديمقراطي في المنطقة عند محاولتها حشد الدعم الخارجي. من خلال تصوير نفسها على أنها في موقف دفاعي باستمرار في حي صعب، إذ تستطيع تل أبيب إبراز صورة دائمة عن الضحية لمؤيديها الغربيين.
علاوة على ذلك، من خلال تصوير نفسها على أنها بؤرة استيطانية غربية منعزلة ومحاصرة، فيما تهدف إسرائيل إلى تقديم نفسها على أنها أكثر الدول الإقليمية - ربما الوحيدة - الفاعلة القادرة على العمل مع الديمقراطيات الغربية".
في السنوات الـ 11 التي تلت الثورات العربية، نمت علاقات "إسرائيل" مع الجهات الفاعلة الأخرى المضادة للثورات، ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وغيرها بشكل كبير لتشمل تعاونا دبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا مكثفا، وتوفير تقنيات مراقبة متطورة، وجهود منسقة بشكل متزايد للضغط على واشنطن لصالح أجنداتهم، بحسب الموقع.
وكشف الموقع أنه "في الآونة الأخيرة عملت إسرائيل على تنمية علاقاتها مع الحكام المستبدين، مثل الجنرال الليبي خليفة حفتر ونجله صدام، وكذلك الجنرال السوداني عبد الفتاح البرهان الذي استولى على السلطة عقب انقلاب عسكري العام الماضي. كما تمتد هذه الجهود إلى ما هو أبعد من الجغرافيا السياسية وتتحدث إلى تحالف أوسع للثورة المضادة يسعى إلى تأكيد هيمنته على الشرق الأوسط".