لم يعد سرا أن قرع طبول الحرب في أوروبا الشرقية سيؤثر بالفعل على دولة الاحتلال، ما قد يستدعي منها الاستعداد لاحتمال ظهور كتل سياسية جديدة في المنطقة والعالم، وربما التخلي عن النهج "المحايد" الذي ميز سياستها حتى الآن، ودعم حليفتها الأمريكية بشكل علني، حتى على حساب تدمير العلاقات مع موسكو.
وخلقت أزمة أوكرانيا، تحديات للنظام الدولي القائم منذ ثلاثة عقود، وكان لها تأثير مباشر فوري على الشرق الأوسط وإسرائيل، التي فضلت "الجلوس على السياج"، لكنها قد تجد نفسها هذه المرة تقف بجانب واشنطن في ضوء علاقاتهما الخاصة، والالتزام الأمريكي الكامل بأمنها، وفي الوقت نفسه الحفاظ على قنوات الحوار مع موسكو قدر الإمكان لتجنب الاحتكاك العسكري في الساحة الشمالية.
إلداد شافيت وأودي ديكل وعنات كيرتس، من كبار الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أصدروا ورقة بحثية مشتركة، جاء فيها أن "إسرائيل حريصة على السير بين القاطرات في الأزمة الناشبة حاليا بين موسكو وكييف، لكن هذه الأزمة كشفت أمام تل أبيب جملة معان رئيسية تركز على عدة مستويات، أهمها الساحة العالمية والإقليمية، وأقرب جار لها الساحة الشمالية، فكلما طال تعقيد الأزمة، تطلب منها ذلك اختيار موقف علني بجانب التحركات الأمريكية، وفي الوقت ذاته المشاركة بالضغوط على روسيا، والالتزام بقواعد العقوبات التي ستُفرض عليها".
وأضافوا أنه "من المشكوك فيه للغاية أن تتفهم الإدارة الأمريكية توضيحات إسرائيل بشأن مصالحها مع روسيا، لإبقاء القنوات مفتوحة معها، وفي الوقت ذاته فإن هناك احتمال قيام روسيا باستخدام ساحة العمل في سوريا لتوضح للولايات المتحدة أن لديها النفوذ لتحويل الساحات الأخرى في أوروبا الشرقية إلى متفجرات، من خلال غض الطرف الروسي عن جهود طهران في نقل الأسلحة عبر الأراضي السورية إلى حزب الله في لبنان، باعتبارها رسالة واضحة لإسرائيل مفادها أن لديها القدرة، إذا أرادت، على كبح جماح التدخل الإسرائيلي ضد المحور الإيراني داخل الأراضي السورية".
وتشير هذه المخاوف الإسرائيلية إلى أن اضطرارها للوقوف بجانب واشنطن في هذه الأزمة المتفاقمة بين موسكو وكييف، ينطوي على مخاطر بالنسبة لتل أبيب، خاصة إن جاء الرد الأمريكي قاسياً على هجوم روسي على أوكرانيا، ففي هذه الحالة من المرجح أن يكون له عواقب سلبية على إسرائيل، لأن القوات الروسية ستعمل على إحباط الهجمات الإسرائيلية في سوريا من خلال أنظمة الدفاع الجوي الروسية والصواريخ الاعتراضية، وقد تشجع إيران على استخدام صواريخها، ليس فقط ضد القوات الأمريكية في سوريا، ولكن أيضًا ضد إسرائيل.
وتضيق الخيارات المتاحة أمام إسرائيل مع مرور الوقت، لكن التقدير لديها أن علاقاتها الخاصة مع الولايات المتحدة، الدرع الدبلوماسية السياسية لها، لا يتركان خيارًا أمامها إلا الانحياز الكامل بجانبها، بل إنها لن تتمكن من رفض طلب واشنطن تطوير بديل لتزويد أوروبا بالغاز بدلاً من روسيا، وفي هذه الحالة تنصح الدول البحثية إسرائيل بالامتناع قدر الإمكان عن الدخول في مواجهة "وجهاً لوجه" مع إدارة بايدن، بشكل علني بالتأكيد، حول هذه الأزمة، والتخوف الإسرائيلي الحقيقي أن تتوتر الأمور لتصل حد قطع العلاقات والتنسيق مع روسيا، بحيث يواجه الجيش الإسرائيلي تحديات متزايدة في الساحة الشمالية.