يبدو أن الرفض لما تقوم بها الحكومات مستفحل في نفس المواطنين، حتى لو كان هناك قرار يخدم المصلحتين العامة والخاصة للمواطن، وكأن كل ما تقرره الحكومات ليس في مصلحة المواطنين، أو كأن هناك عداء بين المواطن والحكومة، أو كأن الحكومة تعمل ضد مصالح المواطنين، والحقيقة غير ذلك يدركها المواطن نفسه، ولكن يبدو أن الرفض هو أول ردّات الفعل من قبل المواطنين. وزارة الداخلية في الحكومة الفلسطينية قررت تنفيذ حملة لمنع التدخين في السيارات العمومية، سواء كان المدخن هو السائق أو الراكب سيغرم السائق، وأتمنى أن يغرم الراكب حال تم ضبط مدخن في السيارة، لسنا هنا لشرح مضار التدخين وتأثيراته على الصحة العامة، فمضار التدخين لا تتوقف عند المدخن بل تمتد لتشمل من هم حول المدخن وتزداد ضررا إذا كان التدخين في مكان مغلق، والضرر أكثر لو كان هذا المكان المغلق ضيقاً. التدخين ليس حرية شخصية مطلقة للمدخن يدخن في المكان الذي يريد والكيفية التي تتوافق ومزاجه، خاصة أن هناك أناساً سيتضررون لو ترك للمدخن التدخين وفق مزاجه، ولابد من ضوابط حتى في بيته هو ليس حراً في التدخين حيث يشاء؛ لأن في البيت أطفالاً وآخرين يشاركون المدخن العيش، والتدخين يضر بصحتهم، وهذا الضرر سينعكس على المجتمع ككل، فإذا ظنّ المدخن عندما يدخن في غرفة نومه التي ينام فيها أطفاله وزوجته أن هذا من حقه فهو مخطئ؛ لأن طفله ليس ملكه وحده، وحياته وصحته ليست مقصورة عليه، فهذا الابن هو أحد أفراد المجتمع والمجتمع بحاجة إلى أفراد أصحاء لا يعانون المرض نتيجة سلوكيات خاطئة من قبل الآباء أو الأمهات، ولو كنت مشرعاً لدعوت إلى محاكمة الآباء الذي يتسببون لأولادهم بالأمراض سواء كانت الجسدية أو النفسية، أو ضرورة وضع قوانين تقيد من الحريات الشخصية التي لها آثار سلبية على الغير؛ لأنه عندها لا تصبح هذه الحرية حرية شخصية بل تصبح عامة. الغريب أن الحملة التي تنفذها الشرطة في قطاع غزة باتت مسار حديث البعض من الناس والذين كما يقول المثل ( لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب) واعتبروا أن ما تقوم به الشرطة ليس منطقياً أو أنه يدخل في باب التدخل في الحريات الشخصية، ولا نستبعد أن تقوم مؤسسات حقوق الإنسان بإصدار بيانات تستنكر وتدين ما تقوم به الشرطة كونه من وجهة نظرهم تعدياً على الحريات الشخصية. الأصل أن تُشكر الشرطة على حملتها وأن نساعدها نحن جميعا في مهمتها، وأول المساعدين هو السائق لأنه صاحب الولاية على السيارة ومن في داخلها، فهل يعقل مثلاً أن يقوم أحد الركاب بحرف مقود السيارة بالشكل الذي يريد وفي اللحظة التي يرى أنها مناسبة؟ هل يعقل هذا؟ وهل يسمح السائق له بذلك؟ وهل سيسمح الركاب له أيضا؟ أم أن فعلته هذه يترتب عليها جريمة ناتجة عن حادث طرق، بالتأكيد عندما يقوم راكب بفعل ذلك سنجد الكل يتصدى له ويمنعه بالقوة، والتدخين في السيارة يجب أن يجابه بالمنع من قبل السائق الذي يمثل صاحب السيادة والقرار فيها وكذلك الركاب ؛لأن الضرر واقعٌ عليهم. منع التدخين في السيارات العمومية ليس بدعة من البدع، بل هو قانون معمول به في كل بلاد العالم، والسائقون لسيارات العمومي يعلمون ذلك، وتطبيق القرار أمر لا علاقة له بالحصار أو بالضائقة المالية ولا بالبطالة ولا بجباية الأموال لدفع الرواتب كما يروج البعض، ولا بكل الحجج والمبررات التي يسوقها المعترضون من أجل الاعتراض، إنه قانون لحماية المواطن من أضرار التدخين، وهو حماية للسائق كما هو حماية للركاب، وقد يكون فيه فائدة للمدخن أيضا عندما يمر بفترة زمنية دون تدخين قد تشجعه على أن ترك التدخين أمراً ليس صعباً. خطوةٌ طيبة ومبادرةٌ تُشكر عليها الداخلية ويجب أن نشجعها؛ لا أن نحبطها وأن نقف بجوارها لا أن نشكك في نواياها وأهدافها، ونتمنى أن يندرج هذا القرار على كل الأماكن العامة وفي الوزارات خاصة، حفاظاً على الصحة العامة وصحة المواطنين.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.