عبثاً حاولتُ إيجاد الرابط ما بين الرسالة التي يفترض أن جامعة بمستوى "النجاح" في نابلس تؤديها وتجسّدها، وما بين استضافتها حفلاً غنائياً داخل حرمها الجامعي لإحدى المشاركات في برنامج (ستار أكاديمي)! وعبثاً حاولت فهم ذلك المنطق الذي يجعل الفلسطيني الذي ينال حظاً من الشهرة على أي صعيد (غير وطني) نجماً ساطعاً تسعى جميع المؤسسات لكسب ودّه والتبرّك منه، وتكريم وتبجيل دوره في (دعم القضية الفلسطينية) بصورة تتفوّق على ما يناله الأبطال الفلسطينيون مقاومون أو أسرى أو حتى شهداء! ولعلّي ما كنت لأتوقف قليلاً أو كثيراً عند هذه الظاهرة الطارئة على مجتمعنا، لو أن مركزاً فنياً أو غنائياً استضاف (النجمة) تلك، وأقام لها حفلاً في رام الله أو غيرها من المدن التي باتت تجتهد في إبراز انفتاحها وتحرّرها (من الأعراف وليس من الاحتلال). ولكن.. أن تستضيف جامعة النجاح مشاركة في برنامج هابط بمستوى (ستار أكاديمي) لتغني على مسرحها فتلك سقطة من طراز خاص، يبدو معها أن الجامعة إما أصابتها (عين حاسد) بعد رحلة تميّزها الطويلة، وإما أن هناك من هو معنيّ بتخريبها، خصوصاً أنها مؤخراً باتت رهينة قرارات ومواقف متخبطة أساءت للجامعة قبل أي شيء آخر، وأهمّها مشكلتها مع الدكتور عبد الستار قاسم. وحتى لا يظنّ ظانّ أنني هنا أنكر على الجامعة استضافة فنان وطني أو على الأقل ملتزم، أودّ إحالة القراء إلى موقع (يوتيوب) ليتعرفوا على ما كان يقدمه برنامج (ستار أكاديمي) في آخر نسخة منه، ويكفي أن تشاهد مقطعاً أو مقطعين يصوران حياة وتفاصيل أيام (نجومه) لتصاب بحالة غثيان دائمة، ولتعتريك دهشة مردّها ذلك الانفتاح غير المحدود الذي تتضمنه تفاصيل البرنامج، وعدم مراعاته أبسط أعراف وعادات المجتمع الشرقي العربي. فضلاً عن حالة الهبوط في كل القيم الفنية المجردة التي يقدمها، ورداءة النوعيات التي تتصدر نجوميته من جميع النواحي! فأن تصاب المؤسسات الأكاديمية بلوثة الجري وراء النجوم الزائفة، وأن تحاكي هوس المراهقين بالميوعة والشهرة الخادعة، فهذا يعني أن رسالتها للأجيال المتعلمة في كنفها سالبة للغاية، وأن الحدود ما بين الغثّ والسمين، والجدّ والهزل قد انتفت تماماً حتى لدى منابرنا التعليمية العريقة، ولستُ أدري ما الذي تبقى بعد كلّ هذا من قيم إنسانية تحملها رسالة الجامعة إضافة لما تقدمه لطلابها من علوم! كنّا نتمنى لو أن الجامعات الفلسطينية قد أثبتت استقلاليتها ونزاهتها بالنضال في سبيل كفّ القبضة الأمنية عنها، وبالعمل على عودة العمل الطلابي إليها، وضمان حرية العمل والتعبير لطلابها، وعدم السماح بالمساس بناشطيها، وتأكيد دورها في التأثير في مجمل القضايا الوطنية وتوجيه الرأي العام لصالح المشروع الوطني كما كان حالها سابقا، يوم كانت جامعات فلسطين محاضن إنتاج القيادات الوطنية والسياسية، ومحور التغيير وريادة أي حراك وطني جماهيري. غير أنه من الواضح أن تمييع رسالة الجامعات بات سياسة لها أهدافها الكبرى، وهي تستهدف الأجيال الناشئة في كنفها قبل أي شيء آخر، وترمي لإشغالهم بتَوافه الأمور، وإبقائهم رهينة للسخافات والاهتمامات الهابطة، لأن تحييد دور طلبة الجامعات وتجميد نشاطهم يخدم أولاً وأخيراً السياسات الحالية للسلطة، والتي لا يستقيم معها أن يعود العمل الطلابي ليتصدّر مواقع الريادة، ويوجّه المسيرة الوطنية، ويؤثر فيها، كما كان حال الجامعات الفلسطينية سابقا!
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.