يوما بعد يوم، يتبدد حلم أوكرانيا بالعضوية في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، والذي كان قبل الحرب الروسية عليها هدفا إستراتيجيا ونهجا دستوريا ملزما لجميع سلطات البلاد، طُرح لأول مرة عام 2016، وأقرّ بعد 3 سنوات.
لكن الحرب الروسية خلفت واقعا جديدا، على ما يبدو، أدركت بموجبه أوكرانيا أن تحقيق هذا الحلم مستحيل، وليس صعبا أو بعيد المنال كما كان من قبل، فهو لا يرتبط بتطبيق إصلاحات ومعايير محددة، ولا بتعداد جيش وقوة وميزانية، بل بقرار سياسي، لم ولن يُتخذ.
خيبة أمل وتشكيك
وبخيبة أمل واضحة، عبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن هذا الواقع بالقول قبل أيام "لن نصبح عضوا في حلف شمال الأطلسي" في إشارة إلى أن الحلف غير مستعد للدفاع عن هذا البلد، أو مساعدته بقوة للدفاع عن نفسه، لا سيما من خلال الدعم المباشر بالسلاح، أو فرض منطقة حظر طيران فوق أجواء البلاد.
وفي الوقت ذاته، شكك زيلينسكي بقدرة الحلف على حماية دوله الأعضاء المجاورة لأوكرانيا كذلك، إذا ما وصلتها الصواريخ الروسية، وهي الحماية التي ينص عليها البند الخامس من ميثاق الناتو.
وجاءت خيبة الأمل الأوكرانية بالتدرج مع تقدم أيام الحرب المستمرة منذ 24 فبراير/شباط الماضي، لكنها تعزّزت بعد استهداف روسيا المركز الدولي للسلام والأمن بمنطقة يافوريف أقصى غربي البلاد، والذي كان مسرحا للتدريبات الأوكرانية الأطلسية المشتركة.
مفاوضات في بيلاروسيا بين وفدي أوكرانيا وروسيا (الجزيرة)
"ضمانات" لبحث "الحياد"
وفي إطار عمليات التفاوض مع روسيا، التي تشترط "حياد أوكرانيا ونزع سلاحها"، تبحث كييف حثيثا اليوم عن "ضمانات أمنية" بديلة لفكرة العضوية، تُمكّنها من قبول هذه الشروط.
حول هذا الشأن، يقول ميخائيلو بودولياك مستشار الرئيس الأوكراني "لم نعد نريد الاعتماد على إجراءات بيروقراطية (فيما يتعلق بمساعي عضوية الناتو) بل ضمانات مباشرة وحازمة".
والمقصودة هنا تجمع الأطراف الروسية والبريطانية والأميركية التي ضمنت لأوكرانيا أمنها وسلامتها الإقليمية في إطار وثيقة بودابست 1994، والتي تخلت بموجبها البلاد عن السلاح النووي، مع إشراك تركيا في الضمانات الجديدة، برغبة من كييف كونها "لاعبا إقليميا ودوليا قويا".
حياد وفق نماذج أوروبية
وتصر أوكرانيا لقبول "الحياد" أيضا على أن يكون وفقا لنماذج أوروبية يكثر الحديث عنها مؤخرا، كالنمسا وفنلندا، اللتين أعلنتا الحياد خشية السيطرة السوفياتية من قبل، و"الشراكة من أجل السلام" مع الناتو في وقت لاحق.
في حديث صحفي، رأى أوليكسي هاران أستاذ العلوم السياسية في أكاديمية "كييف موهيلا" أن "قواسم مشتركة تجمع أوكرانيا مع هاتين الدولتين، وسويسرا التي ليست عضوا في الناتو أيضا، من أهمها المواقع الحيوية الإستراتيجية لجميع الأطراف المتصارعة حولها، وحيادها -بالفعل- قد يكون محل إجماع لا تنافس".
وحتى تكون الصورة أكثر تشابها، تصر أوكرانيا على التمسك بمساعي عضوية الاتحاد الأوروبي، التي بدأت إجراءاتها عمليا، بحسب المفوضية الأوروبية، والقرار حولها متوقع خلال أشهر، بحسب الرئيس زيلينسكي.
توافق داخلي وتحذيرات
ولأن الحرب ومساعي وقفها تفرض نفسها على رأس الأولويات، لا يقابل طرح "الحياد" اليوم بموجات غضب بين الأوساط السياسية في أوكرانيا، لكن بعض الرموز تحذر من الوقوع في "الفخ".
في مقابلة تلفزيونية، حذّر رئيس الوزراء الأوكراني السابق، أرسيني ياتسينيوك، من أن يؤدي الحياد إلى "استسلام" بلاده عمليا، معتبرا أن تطبيق الشروط الروسية الراهنة يعني ذلك، في إشارة إلى نزع السلاح والتخلي عن أسلحة الغرب.
وربط ياتسينيوك بين هذا وحجم الضمانات التي ستحصل عليها بلاده، معتبرا أن "روسيا طرف غير موثوق (في إشارة إلى أنها تحارب أوكرانيا بدل أن تضمن أمنها وسلامتها وفق وثيقة بودابست 1994) وعلى باقي الأطراف المعنية تحديد الضمانات والإجراءات اللازمة لتطبيقها عند الضرورة".