نحتفل دومًا بذكرى معركة الكرامة التي جاءت لتردّ الاعتبار لكرامتنا بعد الهزيمة الساحقة عام 67، ومنذ ذلك الحين والهزيمة والكرامة تتقاسمان مساحة واسعة من تفكير واهتمام المواطن الفلسطيني والعربي بشكل عام، نذوق مرارة الهزيمة ونفكّر بالخلاص منها ومن تداعياتها المريعة وفي الوقت ذاته نحلم بتحقيق الكرامة ونتأمّل أن تعود إلينا عزيزة أصيلة ألقة لتسكن نفوسنا وديارنا، ولكن هل من كرامة في ظل احتلال جاثم على أرضنا وقدسنا ويمارس الجريمة بكل أشكالها على الأرض والإنسان وكل مكونات حياتنا؟ وهل يرتفع منسوب الكرامة أو أنه في حالة انخفاض مستمر؟ وما السبيل الذي يعيد لنا كرامتنا؟ إذ لا معنى للحديث عن الكرامة بينما الهزيمة مستمّرة ولم تتبدّل بتحقيق الانتصار على من بغى علينا.
وللإنصاف نقول إن الكرامة لم تتوقّف عند معركة الكرامة بل ما زلنا نشهد تجلياتها بأشكال متعدّدة فرضها رجالها على الأرض وأقاموا بنيانها، فما حققته المقاومة في لبنان مثلا رفع كثيرا منسوب كرامتنا ووضع حدّا لغطرسة الصهيوني وهزمه هزيمة نكراء، وكذلك المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وما حققته على أرض الواقع من توازن للردع ودفع الاحتلال حسابات عسيرة مع غزة أيضا رفع منسوب كرامتنا، وكذلك رباط وصمود أهل القدس وما فرضوه من قواعد اشتباك تبطل ما تشتهيه سفنهم وتبطل كثيرا من برامجه وخططه أيضا يرفع منسوب كرامتنا، وفي الضفة التي تشهد غليان براكينها فتظهر تجلياتها بانتفاضات وهبّات بين الحين والآخر، حتى أنهم باتوا يتحسبون ويهلعون من توقعاتهم في شهر رمضان القادم، كل ذلك يثبت ارتفاعا في منسوب الكرامة، وأنها كالنار تحت الرماد يُحسب لها ألف حساب.
ولا شكّ أن هناك من فقدوا كرامتهم ويريدون لنا أن نتبعهم ونتحوّل إلى مذلّة القطيع ولا همّ لهم إلا أن يعيشوا الحياة منزوعة الكرامة، حياة بهيمية تدور حول الأشياء، لا أفكار في رأسها ولا إحساس في قلبها، الجري خلف المال والشراب والطعام والقرض والسيارة والعقار وكفى الله المؤمنين شرّ القتال. هذا الإنسان الذليل الذي يستشعر الهزيمة ولا يستشعر الكرامة هو الفلسطيني الجديد الذي يصنعونه على نارهم الهادئة، ولكن تأتيهم المفاجأة تلو المفاجأة من جنين تارة ومن القدس تارة، من غزة ولبنان واللد والرملة وجبل النار، لا تخبو نار الكرامة أبدا وإن ضعفت أحيانا أو عند البعض وطفت على السطح رائحة الهزيمة، فإنه سرعان ما تهب نفحات الكرامة لتبدّد آثار الهزيمة وتداعياتها الشنيعة.