كشفت وثائق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك”، عن تعرض أسرى فلسطينيين ولبنانيين إلى تعذيب قاسٍ واعتقال لأجل غير مسمى دون أي إجراءات قانونية، داخل سجن “الخيام” الإسرائيلي الذي كان في لبنان قبل الانسحاب منها.
وبحسب الوثائق – كما ورد في تقرير لصحيفة "هآرتس" العبرية – فإن السجن أسس عام 1985 وبقي حتى الانسحاب عام 2000، حيث احتفظ الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك بمركز الاعتقال، وتم فيه سجن الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين.
وأشارت الصحيفة إلى أنه تم الكشف عن الوثائق في إطار التماس قدم من مراكز حقوقية إلى محكمة الاستئناف العليا الإسرائيلية.
وتبين من خلال الوثائق أنه تم استخدام الصدمات الكهربائية، والحرمان من الطعام ومنع العلاج الطبي والاحتجاز لوقت طويل وغير مسمى ودون أي إجراءات قانونية، واعتقال نساء والتحقيق معهن من قبل ضباط رجال من الشاباك،
وقال إيتاي ماك المحامي الناشط في حقوق الإنسان لصحيفة هآرتس، إن الجيش الإسرائيلي إلى جانب الشاباك وقوات لحد اللبنانية مارسوا التعذيب في مركز الاعتقال المذكور في ظروف مماثلة للأنظمة الديكتاتورية العسكرية في أمريكا اللاتينية، مؤكدًا على أن التعذيب الذي تم في السجن يعد جريمة ضد الإنسانية، وأن الوثائق مروعة وما هي إلا لمحة بسيطة عن الجحيم الذي كان يحدث هناك.
وتشير إحدى الوثائق في عام 1987، إلى أن جهاز الشاباك زعم أن السجن كان له “دور مهم في نشاط مكافحة الإرهاب”، وأن عناصر قوات لحد هي من كانت تديره بإشراف من الجيش الإسرائيلي والجهاز، ومكتوب في نفس الوثيقة أن المحققين في ذاك السجن لا يجمعون الاعترافات ولا توجد مذكرة توقيق بحق المعتقلين، ومدة حبسهم تكون حسب شدة أفعالهم، وبالعادة لا يكون هناك تحديد لمدة مكوثهم داخله”.
إحدى الوثائق المكتوبة بخط اليد تشير لاعتقال لبنانية يشتبه بارتباطها بحزب الله، تم توصيل الكهرباء بأصابعها وتعرضت لتعذيب أكبر خلال استجوابها.
ويظهر من وثيقة أخرى، أنه تم استجواب عشرات النساء من قبل ضابط رجل من الشاباك بحضور شرطية أثناء الاستجواب، وفي حال لم يتواجد أي شرطية يتم منح المحقق إذنًا خاصًا لاستجواب المعتقلة بوجود محقق آخر.
وثيقة أخرى ، تم جمعها في عام 1988 ، تشير إلى المجاعة التي عانى منها السجناء في السجن. وجاء في البيان “أفاد مدير السجن المحلي صباح اليوم أن إضرابًا عن الطعام اندلع في السجن أمس بسبب نقص الطعام”. وبحسب ما قاله مدير السجن ، هناك بالفعل نقص في الغذاء “. وثيقة أخرى ، تم جمعها أيضًا في ذلك العام ، تقول: “الاكتظاظ في السجن عظيم ، ومؤخراً اندلع إضراب عن الطعام ليوم واحد بسبب نقص الطعام !!!”.
وتظهر وثيقة تعود لعام 1997 المشاكل الطبية للمعتقلين الذين عانوا من إهمال شديد ومنع تقديم العلاج لهم، وأن بعضهم كان في حال خطر، وأن بعضهم كان في مرحلة قد تصل إلى الوفاة.
وبحسب وثائق سابقة لمنظمة العفو الدولية، فإن 11 معتقلًا توفوا في سجن “الخيام”، لكن لم تشير أي من البيانات الرسمية للجيش والشاباك حول هذه القضية.
وحاول ضابط كبير في إحدى الوثائق التي تعود لعام 1997، الدفاع عن قضية المشاكل الطبية بزعم أن أولئك الأسرى كانوا يتذرعون بالمشاكل بهدف الإفراج عنهم ولم يكن هناك أي مشاكل صحية تتطلب ذلك.
وتكشف الوثائق عن مناقشات قانونية أجرتها شخصيات إسرائيلية تناولت شرعية الاستجواب الفعلي للمعتقلين اللبنانيين ونشطاء من فصائل فلسطينية تنشط في لبنان، داخل الأراضي اللبنانية، وبحسب إحدى الوثائق اعترفت إسرائيل عام 1996، بأن هناك مشكلة سياسية وقانونية في وجود مرفق اعتقال في تلك المناطق.
وجرت المناقشة بعد أن طلب جهاز الشاباك من الحكومة الإسرائيلية آنذاك السماح له باستجواب المعتقلين اللبنانيين في لبنان، بسبب ما وصفه بتدهور الوضع الأمني وضرورة “إنتاج استخباراتي بشكل فعال ومهني من شأنه أن يمنع بعض الهجمات، ويحفظ حياة الجنود الإسرائيليين”.
ويظهر من وثيقة أخرى تعود لعام 1997 ، أن النائب العام “وافق من حيث المبدأ على الاقتراح المشترك بين جهاز الشاباك والجيش للسماح في ظل شروط وقيود معينة باستجواب اللبنانيين في لبنان”.
وفي عام 1999 حين كان دان حالوتس رئيسًا لأركان الجيش الإسرائيلي وخلال مناقشة التماس أمام العليا الإسرائيلي، نفى تورط إسرائيل في إدارة السجن، رغم تأكيده بأن ضباط من الجيش كانوا متواجدين فيه، إلا أنه زعم بأنهم لم يكونوا متواجدين بشكل دائم.
يقول المحامي والناشط الحقوقي دان ياكير، إن الوثائق التي كشفها الشاباك تشير إلى مدى عمق مشاركته في جميع جوانب إدارة السجن، وأنه كان على علم بالظروف اللاإنسانية التي تم فيها احتجاز المعتقلين ونقص الطعام والتعذيب أثناء الاستجواب، وأنه متورط إلى جانب الجيش بشكل خاص حتى الرقبة في السيطرة على السكان المدنيين في جنوب لبنان وفي الاعتقال غير القانوني لمئات المعتقلين إلى أجل غير مسمى دون أساس قانوني، ودون مراجعة قضائية، وفي الظروف القاسية التي شملت التعذيب.
وقالت داليا كيرستين، المديرة السابقة منظمة حقوق الفرد الاسرائيلية “هموكيد”، “نظام الاحتلال الإسرائيلي الوحشي في جنوب لبنان، بما في ذلك التعذيب المروع في سجن الخيام، هو أحد النقاط السوداء في التاريخ الإسرائيلي .. الخروج من لبنان لن يكتمل حتى تكشف دولة إسرائيل عن كل ما قامت به هناك، وحتى لا يتعامل المجتمع الإسرائيلي مع ماضيه هناك يجب أن يحاسب قادة إسرائيل على أفعالهم”.