نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا أعده باتريك كينغزلي ولارا جيكس، قالا فيه إن فكرة عقد المؤتمر للدبلوماسيين العرب في النقب كانت مهمة جدا، لكن جلوس الدبلوماسيين شهد محاولات للتعتيم على الخلافات في القضايا المهمة.
وقالا إن اللقاء كان تعاقديا وإنه تعبير عن الشرعية المتزايدة بين الدول العربية التي تجنبت "إسرائيل" لوقت طويل، وأظهرت الخطابات الصريحة والمرحة للمسؤولين في منتجع بصحراء النقب أهمية هذا الحدث.
وتضيف الصحيفة أن الغرض الرئيسي من تنظيم هذه القمة التي تمت على عجل هي الدبلوماسية الملحة التي أملتها الحرب في أوكرانيا وقرب التوصل لاتفاق نووي.
فقد حاولت الولايات المتحدة الضغط على حلفائها في المنطقة لاتخاذ مواقف متشددة من روسيا، فيما طلبت الدول المشاركة وهي الإمارات والمغرب ومصر والبحرين إلى جانب إسرائيل ووزير الخارجية أنطوني بلينكن، تأكيدات أمريكية بتقييد إيران.
وقالت الصحيفة إن المؤتمر الذي استمر لمدة 18 ساعة لم يفض إلى نتائج قوية، ولكن كانت هناك تلميحات خلف الأبواب عن ذوبان في الجليد بين الإمارات والولايات المتحدة بعد أسابيع من التوتر المستمر.
وعبرت واشنطن عن إحباط من الإمارات بعد اتخاذها موقف الحياد من الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي نفس الوقت عبر الإماراتيون عن غضبهم من لامبالاة الولايات المتحدة من التهديد الأمني الإيراني عليها. وجلبت القمة وزير الخارجية بلينكن وجها لوجه مع وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد. وأحيت صداقتهما الحميمة الآمال بحدوث اختراق جوهري عندما سيلتقي بلينكن ولي عهد أبوظبي، والحاكم الفعلي الشيخ محمد بن زايد الثلاثاء في المغرب.
وقالت الصحيفة إن بلينكن والشيخ عبد الله بن زايد أظهرا ودا ودفئا تجاه بعضهما البعض، بحسب مسؤولين شاركا في اللقاء.
وتظهر صورة من خلف الأبواب وهما يتبادلان نكتة أدت إلى ضحك المشاركين. وبعيدا عن التقارب بين الأمريكيين والإماراتيين، فقد سمح اللقاء لإسرائيل والدول العربية الأربعة المشاركة بتعميق تعاونها في القضايا الأمنية المشتركة والتشارك في مجال المعلومات الاستخباراتية والقضايا الأمنية المثيرة للقلق وإمدادات الطعام، بحسب مسؤولين شاركوا في القمة.
وسمحت لدول الشرق الأوسط الخمس -البحرين والمغرب ومصر والإمارات وإسرائيل- بأن تضغط على الولايات المتحدة لكي تظل ملتزمة بالمنطقة رغم تركيزها على الصين وروسيا. وكانت فرصة لها لكي تضغط على بلينكن لئلا يشطب الحرس الثوري الإيراني عن قائمة الجماعات الإرهابية الأمريكية.
وقال يائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلي الذي نظم المؤتمر: "ما نقوم بعمله هنا هو صناعة تاريخ، وبناء معمار إقليمي جديد يقوم على التقدم والتكنولوجيا والتسامح الديني والتعاون الأمني والاستخباراتي". وأضاف أن المعمار الجديد والقدرات التشاركية التي نقوم ببنائها تزعج وتردع الأعداء المشتركين، أولا وأخيرا إيران وجماعاتها الوكيلة عنها".
وترى الصحيفة أن أهم ملمح للقاء هو انعقاده في المقام الأول. وعندما وقعت "إسرائيل" اتفاقيات التطبيع عام 2020 مع المغرب والإمارات والبحرين لم يكن أحد يتوقع جوهر العلاقات ومعناها. وكون مشاركة الدول الثلاث في لقاء بإسرائيل يكشف عن قوة العلاقات بينها. كما أن مشاركة مصر، وهي أول دول عربية تعقد معاهدة صلح مع إسرائيل في عام 1979، تعطي صورة عن الطريقة التي شجعت فيها اتفاقيات عام 2020 القاهرة للتواصل وكيف نفخت روحا جديدة في علاقات طالما أهملتها. وقال الشيخ عبد الله "هذه أول مرة لنا في إسرائيل" و"لو لم نكن فضوليين في بعض الأحيان، ونريد التعلم ومعرفة الأمور، وهذا بسبب عدم معرفتنا ببعضنا البعض مع أن إسرائيل هي جزء من المنطقة ولوقت طويل، وقد حان الوقت لأن نلحق بالركب".
وبهذه الروحية، أكد المشاركون على أنهم يريدون عقد لقاء كل عام في مكان مختلف وتوسيع عدد الدول المشاركة فيه. وفي أحاديثهم الخاصة ناقش المشاركون خلافاتهم ونقاط التقائهم بما في ذلك إيران والحرب في أوكرانيا.
وعبر الإماراتيون عن إحباطهم من غياب المشاركة الأمريكية في المنطقة بعد الهجمات الأخيرة من المتمردين الذين تدعمهم إيران في اليمن، ضد الإماراتيين وحلفائهم السعوديين. ويخشى الإماراتيون مثل الإسرائيليين من الجهود التي تدعمها أمريكا لإقناع إيران كي تحد من نشاطاتها النووية. وأن نتائج المفاوضات الجارية في فيينا حاليا لن تكون كافية للحد من عدوان إيران الآخر في المنطقة.
ومن جهتهم يشعر المسؤولون الأمريكيون بالخيانة من الإماراتيين بعد حجب صوتهم في مجلس الأمن دعما لقرار يشجب الغزو الروسي، كما أنهم عبروا عن إحباط من الإماراتيين لرفضهم زيادة معدلات النفط لتخفيف اعتماد السوق العالمي على الوقود الروسي. وأثار الإماراتيون الدهشة بحفاظهم على علاقات مع روسيا، حيث التقى الشيخ عبد الله هذا الشهر مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو، بالإضافة إلى إحياء العلاقات مع النظام السوري، حيث زار بشار الأسد أبو ظبي هذا الشهر.
من جهتها وصفت إيران اللقاء بـ "مؤتمر الشر" و"خيانة لآمال الشعب الفلسطيني بالحرية". وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية "أية إجراءات للتطبيع وإقامة علاقات مع الإرهابيين الصهاينة ومن يحتلون القدس هي طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني".
وأكد المؤتمر أمرا واحدا وهو أن غياب القرار لحل القضية الفلسطينية لم يعد عقبة في الشراكة بين الدول العربية و"إسرائيل" حتى لو عارضت الغالبية العربية التعاون.
ورغم تأكيد بلينكن وثلاثة من أربع وزراء عرب على حل الدولتين إلا أن غياب القيادة الفلسطينية عن النقاش يكشف عن انفصام العلاقات الإسرائيلية- العربية عن العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية.
وكان قرار عقد القمة في النقب بدلا من القدس، مرتبطا بتجنب أي خطوة تقيد أمل الفلسطينيين بإقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة منذ عام 1967، إلأ ان سدي بوكر، مركز اللقاء في النقب هو المكان الذي دفن فيه بن غوريون الذي رآى في تطوير النقب علامة على تنفيد حلم الاستيطان في إسرائيل.
ولا تزال القضايا حاضرة اليوم في ضوء التوتر الأخير بين المجتمعات البدوية وجيرانهم اليهود في النقب. وتظاهر البدو بأعداد كبيرة في كانون الثاني/يناير احتجاجا على قرار السلطات الإسرائيلية زرع أشجار على أراضيهم.