رغم الانشغال الإسرائيلي بعمليتي الخضيرة وبئر السبع، وتدهور الواقع الأمني، لكن قمة النقب بقيت تحتل صدارة التحليلات السياسية، لاسيما في ضوء ما أسفرت عنه من دعوات للمشاركين فيها لتكيف التعاون الأمني والاقتصادي، والتنسيق العسكري والسياسي، لمتابعة جميع تطورات المنطقة، حتى وصل الأمر بهم للإعلان عما يشبه "حلف ناتو إقليمي"، وتشكيل مجموعات عمل، وعقد مؤتمر سنوي دائم في مدن الخليج.
كشفت الأوساط الإسرائيلية أن وزراء الخارجية العرب والاحتلال وأمريكا المشاركين في قمة النقب، ركزوا في نقاشاتهم على القضايا الأمنية، ورغم عدم التوقيع على ورقة موقف رسمية في نهاية القمة، فقد قرر الوزراء الستة تشكيل عدد من مجموعات العمل المشتركة، أولها وأهمها تناقش قضايا الأمن ومكافحة الأعمال العدائية، فيما ستتناول بقية المجموعات مسائل العمل والتعليم والصحة والطاقة والسياحة والغذاء والماء.
تال شنايدر الكاتبة في موقع "زمن إسرائيل"، ذكرت في مقالها أن "وزراء الخارجية الستة اتفقوا على أن فكرة عقد منتدى دائم يضم هذه الدول المشاركة في القمة، لبحث توفير احتياجاتها من تحسين إمدادات المياه، والسياحة الصحراوية، وتوطين مناطق المدارس، والاهتمام بالأمن الغذائي، والاتفاق على أن المنتدى سيعقد كل عام بمدينة صحراوية مختلفة، في إشارة إلى القواسم المشتركة".
وأضافت أن "القمة شهدت طرحا لافتا من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين بقوله أن لديهم أيضًا مدينة صحراوية يسعد الجميع بزيارتها وهي لاس فيغاس، وفيما يتعلق بالأمن الغذائي، فقد أبدت مصر والمغرب انزعاجهما بشدة بسبب تضررها في الآونة الأخيرة من هذه القضية بسبب الحرب الأوكرانية، مما استدعى طرح احتياجاتهما على طاولة مشتركة، رغم أن القضية الرئيسية التي شغلت وزراء الخارجية هي إيران، وأعرب الوزراء عن موقف جماعي تقريبًا بشأن معارضتهم إزالة الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية، واحتمال تدفق مبالغ كبيرة من الأموال إلى إيران في حال توقيع الاتفاق النووي".
يتداول الإسرائيليون فكرة تحويل قمة النقب إلى "بنية للأمن الإقليمي"، بحيث تهدف لمساعدة الدول المشاركة على التعامل مع الطائرات بدون طيار والصواريخ بعيدة المدى، خاصة وأن البحرين على سبيل المثال أقرب دولة جغرافية لإيران، وتمتلك الولايات المتحدة قاعدة عسكرية ضخمة داخل البحرين، ومع ذلك فإنها أقل تهديدًا من الدول الأخرى، لأن الهجوم عليها يشبه هجومًا عسكريًا على قاعدة عسكرية أمريكية.
في الوقت ذاته، عبر وزراء الخارجية الخمسة أمام نظيرهم الأمريكي أن لديهم شعورا مزعجا مفاده أنه منذ وصول إدارة بايدن إلى السلطة فإن الأمريكيين أقل انخراطًا في المنطقة، وباتت قضايا الشرق الأوسط متخلفة كثيرًا عن روسيا والصين ومكافحة الاحتباس الحراري، وحتى بعد أن قصف الحوثيون في اليمن المباني في أبوظبي، فقد جاء الرد الأمريكي متساهلاً للغاية، الأمر الذي قابله عدم استجابة سعودية وإماراتية لمطلب أمريكي بزيادة انتاج النفط منذ بداية الحرب في أوكرانيا.
كما ناقشت القمة طلب الولايات المتحدة بإلغاء الاتفاقية الثلاثية بين إسرائيل وقبرص واليونان لبناء خط أنابيب للسماح لتركيا بالمشاركة في المشروع، حيث أعلن وزير الخارجية المصري اهتمام بلاده في هذه الشراكة، وقد أبدت مصر خلال القمة رغبتها بأن تكون جزءً من البديل المتوقع لأزمة الطاقة حول العالم.
لا يخفي الإسرائيليون ترحيبهم بأن القضية الفلسطينية لم يتم ذكرها في قمة النقب، ولم يأت الوزراء عليها إلا من ناحية التشدق الكلامي ليس أكثر، حين تحدثوا عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، والقدس كعاصمة مشتركة، لكن الشعور الإسرائيلي أن هذا الإعلان لم يكن سوى "خدمة كلامية".