لم تجد “يديعوت أحرونوت” سبباً لإسناد أطروحتها عن فراغ السلطة في مصر وفق مقالة لاليكس فيشمان نشرت قبل أيام، إلا ذلك المشهد أمام السفارة بحي الدقي في القاهرة لأن المرصد في تل أبيب، وبالتالي في مجمل المنابر العبرية، لا يقيس أي منسوب آخر، غير منسوب الحرارة أو البرودة في العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وتل أبيب. فلا الوضع الأمني أو حتى الاقتصادي وبالتحديد السياحي ولا أية ظروف أخرى طرأت بعد ثورة يناير/ كانون الثاني تعني هذا المرصد، لأن مقياس الخير والشر والسلام والحرب والسراء والضراء بالنسبة إلى تل أبيب هو مصلحة الدولة الصهيونية، ولا بأس أن يصاب العالم بزلزال يقلعه من الجذور إذا كانت هناك ضمانة لسلامة اليوتوبيا التوراتية، التي هي، في الحقيقة ، “ديستوبيا” مضادة لكل ما حلمت به البشرية عن المدن الفاضلة . إن مصر بملايينها وعسكرها وساستها يجب أن تتحول إلى حارس لا ينام لكل ما له صلة بهذه الديستوبيا، وسبب ذلك، باختصار، هو التشرنق الصهيوني الذي حوّل دولة إلى “غيتو”، وشيّد حوله جدراناً تعزله عن كل شيء، ولم يخطر ببال من شيدوا هذه الجدران أنهم بدأوا يعزلون أنفسهم عن أنفسهم، تماماً كما حدث لهم عندما تبنوا تربويات إسبارطية، خلاصتها تحذير اليهودي من أن يخاف من أي شيء ليكتشف بعد ذلك، وحسب ما قالت يائيل دايان، إنه أصبح مسكوناً بفوبيا الخوف من الخوف، وذلك أقصى عقاب يمكن أن يلحق بمن حوّل الآخرين جميعاً إلى أعداء أو مشاريع أعداء . ستكون السلطة في أعلى درجة من التماسك وتملأ البلاد حيث لا فراغ، لو أن المجلس العسكري حصد آلاف المصريين وحوّل مدخل السفارة إلى بركة دم . هذا ما نستخلصه من تلك المقالة التي تعد نموذجية بمقياس واحد على الأقل، هو اعتبار تل أبيب محور الكون والوجود، وأن كل ما عداها هو كومبارس يردد الصدى . بالطبع لا تصدر مثل هذه الكتابات عن رغبة في جعل مصر آمنة، وذات سلطة قادرة على تصريف شؤون البلاد وشجون العباد، لأن المطلوب صهيونياً منذ قرن هو مصر ضعيفة ومتصارعة، وتعصف بها حرب أهلية، بحيث يتم حذفها كقوة كبرى من معادلة الصراع . مصر ومجلسها العسكري وكل من يتولون إدارتها الآن، رغم الأزمات وما نجم عن المرحلة الانتقالية، هم الأدرى بشعاب بلادهم من “يديعوت أحرونوت” ومن أليكس فيشمان أو ليبرمان أو أي جنرال أو حاخام . لقد عالجت مصر تلك الأزمة بأقل الخسائر، ورغم الالتباس في الأنباء عنمصدر الأزمة، أصيب أكثر من ألف رجل وامرأة وطفل بجروح . . إضافة إلى بعض من فقدوا حياتهم، ولو سئل أليكس أو أي إكس آخر في تل أبيب عن الوصفة المثالية لحماية السفارة وطاقمها، لاقترحوا على الفور إبادة عشرات الألوف من المصريين لأنهم تطاولوا على المقدس الصهيوني ورفعوا علم بلادهم على شرفةٍ لعمارةٍ بناها مصريون على أرض مصرية . ما هذا الهلع على سلام هشّ كلما لامس كوزٌ عربيّ جرةَ الفخار اليهودية؟ إن ما قالته يائيل دايان يصلح لما هو أبعد من فوبيا الخوف، لأنه يفتضح هشاشة الفولاذ في غياب قوة الحق .
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.