فيما تواجه قوات الاحتلال صعوبة بالغة في وقف سلسلة العمليات الفدائية التي ينفذها شبان فلسطينيون في مختلف أنحاء الضفة الغربية وداخل فلسطين المحتلة 48، تواجه مخابرات الاحتلال سلسلة تعقيدات في وقفها.
وكشفت موجة العمليات الأخيرة عن جهود كثيفة لتنفيذ حملات اعتقالات واسعة وملاحقة وتحقيقات أمنية، لمحاولة وقف تنفيذ تلك الهجمات، وهي ما زالت في طور التخطيط والتفكير، وفي مراحلها الأولية، من خلال إدخال منظومات أمنية جديدة بزعم أنها الطريقة التي يتم بها وقف الهجوم التالي.
نير دفوري المراسل العسكري ذكر في تقريره على موقع القناة 12، أن "مركبات المطلوبين الفلسطينيين وتحركاتهم، تخضع لحالة من التتبع والملاحقة على مدار اليوم، من خلال بث عشرات العيون والجواسيس على الميدان بهدف جمع وتحليل كل ذرة من المعلومات المتراكمة في أجهزة المخابرات الإسرائيلية، بدءًا بالمشاركة في مواكب تشييع الشهداء في قلب مخيم جنين، ثم الخروج من المنزل إلى المقهى، وصولا إلى إخراج الأسلحة من مخبأ قريب، مرورا بالطلب من سائقين عاديين اصطحابهم إلى مكان ما، وانتهاء في طريقهم لتنفيذ واحد من الهجمات الفدائية التي لا تعرف عنها المخابرات كثيرا من المعلومات".
وأضاف أنه "من أجل الوصول إلى اللحظة التي تم فيها إحباط خطة الهجوم الفدائي الفلسطيني، تقع أمام المخابرات الإسرائيلية، خاصة الوحدة 8200 الاستخبارية، العديد من الألغاز التي تبقى بدون حل حقيقي، مما يتسبب بإرباك أجهزة الأمن، لأنها في هذه الموجة من العمليات تتعامل مع نوع جديد من المنفذين، مختلفين بالكلية عن منفذين سابقين، خاصة أنه خلف الكواليس أدخلت المخابرات الإسرائيلية والخلايا الفلسطينية معاً نظاما جديدا إلى أعمالهم بغرض محاولة تغيير قواعد اللعبة".
لا تخفي أجهزة أمن الاحتلال أنها تبذل جهودا كبيرة في محاولة للعثور على "إبرة وسط أكوام من القش"، من خلال العمل على بناء صورة استخباراتية من شأنها السماح لها باعتقال الخلية المسلحة قبل تنفيذ هجومها، وهذه المحاولات الإسرائيلية تزداد تعقيدًا من لحظة لأخرى، لأن مهمتها الأساسية هي أولاً وقبل كل شيء تغطية نطاق المعلومات، والاستفادة القصوى من جميع مصادر المعلومات الموجودة.
تزعم الأوساط الأمنية الإسرائيلية أنها تتابع يوميا كما هائلا من المعلومات التي يتم تمريرها، بما يعادل ملايين الرسائل عبر مختلف أدوات الاتصال، والقدرة المطلوبة منها هي الاحتفاظ بكمية هائلة من المعلومات، وإجراء التحليل الذي سيؤدي للتنبيه للهجوم التالي، وهذه مهمة غير مضمونة النتائج، في ضوء نشوء ظاهرة تسميها المخابرات الإسرائيلية "الذئاب المنفردة"، المقصود بها العمليات الفردية، حيث يتمكن منفذوها من الإفلات من مختلف أنظمة الكشف الاستخباراتي المبكرة.
ليس سرا أن العمليات الفلسطينية الأخيرة أضافت على أجهزة أمن الاحتلال تعقيدا أكثر من أي وقت مضى، وزادت من أعبائها في تقديم المعلومات الاستخبارية في محاولة للتغلب على هذه الموجة التي بدأت ترفع رأسها، لكن المشكلة الأولى التي تواجهها مخابرات الاحتلال تتمثل في كمية لا حصر لها من المعلومات التي تصلها على مدار الساعة، مما يستدعي الحاجة لأنظمة ضخمة للاحتفاظ بهذا القدر من المعلومات، ومعالجتها.
أكثر تفصيلا، من المهام الأمنية التي تشكل معضلة أمام أجهزة أمن الاحتلال الاستماع لملايين المكالمات في اليوم، وهذه مهمة لها جوانب تكنولوجية تحتاج إلى حلول فورية، لأنها معقدة للغاية، رغم أنها تحوز على قدرة هائلة في ضخ كميات هائلة من المعلومات، ومراقبة الهواتف الذكية، ومواقع GPS، وهذا جهد استخباراتي غير عادي، يستند إلى محاولة بناء خوارزمية يتم على أساسها تحديث الكلمات ذات الصلة بالبحث، رغم أن أكثرها "عامية"، وألقاب وكلمات رمزية تعني التخطيط لتنفيذ هجوم.
تبدي أجهزة أمن الاحتلال صعوبة جدية في مراقبة وفك تشفير أنظمة الاتصال التي يمتلكها المقاومون الفلسطينيون، بين كونها صينية أو أمريكية، لأنها عوالم معقدة ومكلفة، وتتطلب قوة عاملة فريدة تعرف كيفية تطوير الخوارزميات، وتفعيل قدرات التحليل المتقدمة، وفي هذا المجال فمن المبكر جدًا بدء العمل السريع بها، لأنها ما زالت تعمل ببطء، وما زال أمامها وقت طويل لاكتساب الزخم، وتحقيق النتائج المتنوعة، خاصة عند الحديث عن منشورات وسائل التواصل الاجتماعي.
يدور الحديث عن جهد أمني إسرائيلي كبير يعتبر "رأس الحربة" من الناحية التكنولوجية والاستخباراتية لمواجهة الهجمات الفلسطينية، حيث يوجد ثمانية آلاف من الكوادر البشرية والأجهزة والمعدات، لكنهم يحتاجون للمزيد والمزيد من الأيدي والآذان، بهدف زيادة نطاق التغطية الاستخباراتية، والقدرات السيبرانية، ونطاق المعلومات، والمهام التي يتعين عليها التعامل معها، وكل ذلك بهدف الوصول إلى كبح جماح القوى المعادية لتنفيذ هجماتهم ضد أهداف إسرائيلية.
الخلاصة الإسرائيلية من الجهود الأمنية والاستخبارية التكنولوجية أنه في عوالم الإنترنت توجد حدود أخرى خارج حدود "إسرائيل" ذاتها، لأنه عندما تعمل القوى المعادية لها في أنظمة تكنولوجية متطورة، فقد يقوم إسرائيلي ما عن طريق الخطأ بتوصيل نفس النظام بالشبكة لإدخال أو إزالة المواد، وفي تلك اللحظة يصبح الوصول إليها متاحًا، ودور الوحدات الأمنية والاستخبارية، ومنها وحدة 8200، الاستفادة من نفس الأخطاء، خشية أن يؤدي ذلك لتسريب معلومات تكشف عن جميع الإنذارات الأمنية.