ما زالت عملية "إلعاد" تحدث أثرها الأمني والعسكري في أوساط دولة الاحتلال، وسط حالة من الإحباط من نجاح المقاومة الفلسطينية في توجيه ضرباتها للاحتلال في الضفة الغربية والداخل المحتل، وكأن المواجهة انتقلت إلى قلب كيان الاحتلال، الذي يواصل دفن رأسه في الرمال، لأنه يكتفي باللجوء لتكتيكات عملياتية آنية، وهو يخشى الذهاب إلى محاولة التصدي للمقاومة على أرضها، وتحديدا في قطاع غزة، وفقا للانتقادات الإسرائيلية الموجهة للقيادتين السياسية والعسكرية.
شكلت عملية "إلعاد" مناسبة عند الإسرائيليين لاستحضار ما شهدته دولة الاحتلال في أول عامين من انتفاضة الأقصى، حين قررت الذهاب إلى عملية السور الواقي، واحتلال المدن الفلسطينية، وإزالة "أعشاش الدبابير" التي نفذت عمليات استشهادية مستمرة في عمق الكيان، ثم جاءت موجات التصعيد السابقة متمثلة في هجمات السكاكين والدعس عامي 2015 و2016.
أليئور ليفي مراسل الشؤون الفلسطينية في صحيفة يديعوت أحرونوت، ذكر أن "العمليات الأخيرة تذكرنا بأيام التفجيرات في الانتفاضة مع تغييرين أساسيين: الأول أن المنفذين المتحزمين بأحزمة ناسفة استبدلوها بأسلحة آلية وفؤوس، والثاني غياب البنية التحتية العسكرية التي نفذت الهجمات قبل عقدين، لأنه لا وجود لها اليوم على المستوى المادي، بل على المستوى الافتراضي، وبات العثور على أي فلسطيني يقرر تنفيذ هجوم، ويحصل على سلاح أكثر صعوبة".
وأضاف أن "ما يميز العمليات الأخيرة أن حماس التي تحرض عليها، وتوجهها أحيانا، تعمد إلى سياسة ربط الساحات التي أنشأتها ضد إسرائيل، فقد أعدت عناصرها في القدس للاشتباكات في شهر رمضان، وأقامت فرعها في لبنان، وأطلقت الصواريخ من هناك ردا على أحداث المسجد الأقصى، كما أعطت موافقة صامتة للفصائل الأخرى لإطلاق صواريخ فردية من غزة، فضلا عن تحريضها عن بعد لأهل الضفة الغربية وفلسطينيي48 لتنفيذ هجمات إطلاق نار في مدن إسرائيلية".
لا يتورع المحللون الإسرائيليون عن توجيه جام غضبهم إلى القيادة السياسية والعسكرية في تل أبيب، لأنه رغم كل الإشارات الحمراء التي رفعت، فقد فضلت دفن رأسها في الرمال، واكتفت بتشديد الضغط على مخيم جنين للاجئين، وعجز الجيش عن اقتحامه منذ ثلاثة أسابيع، ولم يرد على إعلان حماس مسؤوليتها عن هجوم أريئيل، والنتيجة أن الفلسطينيين زادوا من ضغطهم، ومارسوا تحريضا عشية استئناف الاقتحامات اليهودية للمسجد الأقصى، واستمر هذا الهيجان تحت أنظار الجمهور الإسرائيلي الذي حصل على عملية "إلعاد" في ذروة أعياد الاستقلال المزعومة.
في الوقت ذاته، ورغم مرور كل هذه السلسلة من الهجمات الفلسطينية، فمن الواضح أن جهاز الأمن العام- الشاباك، لم يستطع حتى الآن اختراع الطريقة التي تسمح له بالدخول إلى دماغ شاب فلسطيني غاضب، ولكن ليس لديه سجل أمني، ولديه أسلحة متوفرة، ويعلم أن الإسرائيليين يراقبون شبكات التواصل الاجتماعي.
تعبر المحافل الإسرائيلية عن إحباطها من شعور قيادة حماس بالأمان في غزة والخارج، لأنها ترى التردد الإسرائيلي، وتسمح لنفسها بفعل ما يحلو لها، وكأن الحركة استلهمت التجربة الإسرائيلية بنقل المواجهة إلى داخل حدودها، مما يستدعي من الاحتلال، وفق المطالب الإسرائيلية، وقف هذه المعادلة التي يجب أن تنتهي، لأن حماس ظهرت بصورة جلية وواضحة بنظر الجمهورين الفلسطيني والإسرائيلي أنها المدافعة عن القدس والأقصى، والوحيدة التي لا تخاف من الوقوف في وجه إسرائيل.
في الوقت ذاته، يتزايد التخوف الإسرائيلي من تزايد مؤشرات اندلاع الحرب الدينية بين المسلمين واليهود حول المسجد الأقصى، وهذه من وجهة نظر إسرائيلية خط أحمر، وأكثر خطورة وفتكا من البالونات المتفجرة وحتى الصواريخ، لأن حرباً شاملة في الشرق الأوسط بين الإسلام واليهودية ستكون أكثر فتكاً وتدميراً من حرب في غزة.