نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلتها بيثان مكيرنان، قالت فيه إن بعض المسافات على شارع 90، وهو الطريق الذي بنته إسرائيل على طول وادي الأردن في الضفة الغربية المحتلة، يمتلئ الجانب الغربي من الطريق السريع بالعشب الشبيه بالقش، على الرغم من حرارة الصيف. إلى الشرق من الطريق، ذهب كل ما يمكن أن تأكله الأغنام والماعز.
الفرق هو العلامة الوحيدة الملموسة لأكبر تحول استراتيجي في معركة السيطرة على المنطقة (ج) 60% من الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، في السنوات الأخيرة: ظهور مستوطنين إسرائيليين يستخدمون الرعي كأداة للاستيلاء على معظم أراضي المنطقة بأقل جهد.
قال محمد، البالغ من العمر 16 عاما، وهو يرعى قطيعا من 200 رأس على جانب الطريق الآمن للفلسطينيين: "كنا قادرين على أخذ الأغنام والماعز في جميع أنحاء الجبال والوادي.. الآن الطريق هو الحدود، وما وراء ذلك ممنوع".
قال أبو فادي (52 عاما)، وهو راع بدوي من قرية العوجا الواقعة شمال أريحا: "إنهم ينزلون من الجبل، ويأخذون الماء والأرض، لكنهم يجلبون الماعز.. لم تعد هناك مساحة كافية، وسعر العلف للحيوانات آخذ في الارتفاع. نحن نتعرض لضغوط من كلا الجانبين".
استقر حوالي 450 ألف مستوطن في ما يُعرف الآن بالمنطقة (ج) من الضفة الغربية منذ بدء احتلال الأراضي الفلسطينية في عام 1967، بعضهم بدوافع دينية أو قومية، والبعض الآخر بدافع تكلفة المعيشة الأرخص. وينظر معظم المجتمع الدولي إلى وجودهم على أنه عقبة رئيسية في طريق السلام الدائم.
ما كان يُنظر إليه في السابق على أنه أسلوب حياة رائد أصبح الآن مريحا للغاية في كثير من الأحيان: فبعض المستوطنات المبكرة أصبحت الآن راسخة وثرية، مع وجود حراس أمن عند المدخل والأسوار مغطاة بالكاميرات والأسلاك الشائكة. والقوات الإسرائيلية موجودة وجاهزة لفرض القانون العسكري على الفلسطينيين، والقانون المدني للمستوطنين.
وفقا لدور إتكس، الخبير البارز في سياسة الأراضي الإسرائيلية عبر الخط الأخضر ومؤسس المنظمة غير الحكومية Kerem" Navot"، فقد حاول الجناح اليميني لحركة الاستيطان تجربة شيء مختلف خلال السنوات العشر الماضية، بنجاح كبير.
توصل تحقيق جديد أجرته مؤسسة "Kerem Navot" إلى وجود 77 مزرعة وبؤرة استيطانية إسرائيلية في جميع أنحاء الضفة الغربية. تم إنشاء 66 على مدى العقد الماضي، و46 في السنوات الخمس الماضية، كجزء من انفجار في نمو المستوطنات خلال إدارة ترامب.
تبلغ مساحة المنطقة التي يسيطر عليها الآن رعاة المستوطنين حوالي 60 ألف فدان - أقل بقليل من 7% من المنطقة (ج).
وكما قال زئيف حيفر، الأمين العام لمنظمة "أمانة"، وهي منظمة استيطانية، في مؤتمر عبر الإنترنت العام الماضي: "لا يتطلب البناء سوى القليل من الأرض، بسبب الاعتبارات الاقتصادية لتنمية البناء... مزارع الرعاة -على مدى السنوات الثلاث الماضية. لقد غامروا بالدخول في مساحة شاسعة- تغطي الآن مساحة تبلغ ضعف المساحة المبنية للمستوطنات".
أمضى إتكس ثلاث سنوات في إجراء مقابلات مع رعاة فلسطينيين، ومراقبة التغيرات بمرور الوقت في مناطق الرعي التي زارها الفلسطينيون والمستوطنون، واستخدام الصور الجوية لرسم خريطة المعالم الجغرافية مثل الوديان العميقة والطرق، والتي غالبا ما تشكل الحدود الفعلية للأرض التي استولى عليها رعاة المستوطنين.
ووجد أيضا أن رعاة المستوطنين كثيرا ما يتلقون المساعدة من خلال منح ومخصصات المراعي التي تصدرها مكاتب الحكومة الإسرائيلية وغيرها من الهيئات الممولة من القطاع العام مباشرة.
قال إتكيس خلال زيارة الغارديان للعديد من المجتمعات الفلسطينية والمستوطنين في وادي الأردن الأسبوع الماضي: "هذا هو أهم تغيير في الضفة الغربية منذ عقود. كان مشروع المستوطنين يدور حول بناء المجتمعات، والآن غالبا ما يأتي شخص ما بمفرده لبدء مزرعة، وربما لاحقا يجلب عائلته، ويعيشون كما لو كانوا في Wild West [في الولايات المتحدة]".
"هم في البداية عنيفون للغاية في طرد الفلسطينيين، لكن بمجرد أن يسيطروا على المنطقة، فإنهم عادة ما يكونون أقل عنفا. إنهم يشعرون بأن الأرض هي حقهم، وأنهم لا يحتاجون إلى أعداد أو الجيش للحفاظ على سلامتهم".
يتصاعد العنف المتعلق بالسيطرة على الأراضي في الضفة الغربية، مع 450 هجوما من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين، و160 هجوما من قبل الفلسطينيين ضد المستوطنين، سجلتها الأمم المتحدة في عام 2021.
لا تزال قرية رأس التين البدوية في وادي الأردن تعاني من حادث شرير الأسبوع الماضي: وصل حوالي 20 من رعاة المستوطنين يعيشون على قمة تل قريب إلى القرية بالسيارات مساء الثلاثاء، رفقة 10 أفراد من الجيش الإسرائيلي.
وطبقا لسكان آخرين، دخل المستوطنون منزلا، وشرعوا في ضرب أربعة أفراد من عائلة بهراوات فيها مسامير، بينما كان الجيش الإسرائيلي يتفرج. وتعرض مصطفى كعبانه ونجلاه أحمد ومحمد في العشرينات من العمر للضرب وهم مكبلون بالأصفاد، وتم اعتقال الشبان.
تعرضت والدتهما هاجر، البالغة من العمر 50 عاما، للضرب المبرح، وكانت فاقدة الوعي في مستشفى رام الله لعدة أيام. احتُجز مصطفى لمدة أربعة أيام بعد خروجه من المستشفى، ولا يزال ابناهما رهن الاحتجاز في سجن عوفر العسكري.
وقال الجيش الإسرائيلي إن الجنود أُرسلوا إلى مكان الحادث لفصل المشاجرة الجسدية بين مدنيين إسرائيليين وفلسطينيين، وقام اثنان من سكان القرية بإلقاء الحجارة عليهم.
وقال متحدث باسم الجيش: "رد الجنود وفقا للإجراءات العملياتية، بما في ذلك إطلاق أعيرة نارية تحذيرية حتى تفرق جميع المشتبه بهم. واعتقل أحمد ومحمد كعبانه للاشتباه في الاعتداء على شاب يبلغ من العمر 15 عاما، ومددت محكمة الاستئناف العسكرية احتجازهما حتى يوم الاثنين.
قال قريب من العائلة، طلب عدم نشر اسمه خوفا من الانتقام: "سمعت أن المستوطنين جاؤوا لأنهم كانوا غاضبين من حادثة تتعلق ببقرة، وكان هذا انتقاما، لكن لا علاقة لنا بالحادثة".
يعد الهجوم المرة الأولى التي يدخل فيها المستوطنون الذين أقاموا بؤرة استيطانية قريبة خلال السنوات القليلة الماضية إلى رأس التين نفسها. يشعر الأشخاص الذين يعيشون هناك الآن بقلق عميق من أن العنف قد يتصاعد، وأنهم -مثل كثيرين آخرين- قد يجبرون على مغادرة منازلهم.
قال القريب: "لا يوجد اضطهاد أسوأ في العالم من عدم الأمان في منزلك.. الأمر لا يتعلق بمن يمكنه رعي الحيوانات وأين، ليس ذلك في الحقيقة. إنهم يريدون التخلص منا تماما".