لم يكن صف الانتظار في مطار دمشق قد امتد طويلاً في ذلك الصباح الباكر البارد في العاصمة السورية دمشق، أمام باب الطائرة، فأمنيته أن يصل باكراً مع عائلته إلى فلسطين، لأنها فرصته الأخيرة بالخروج من سوريا قبل احتدام المواجه بين الجيش الحر وشبيحة النظام "النازيين الجدد". هناك داخل المطار برفقة جزء من عائلته، يسيطر الفرح والتوتر والخوف عليه؛ فلا يمكنه التنبؤ لما يحصل بعد قليل، ولكن بعد هبوط الطائرة في مطار القاهرة زاد الفرح بوصولهم أخيراً بعد رحلة لا يمكن وصف مشاقها، إلى الجنة الموعودة غزة ولا يزال التوتر سيد الموقف. عليان سليمان فياض الفلسطيني السوري الذي قرر موقع "[b][color=red]فلسطين الآن[/color][/b]" متابعة رحلته في تقرير هو الأول من نوعه في قطاع غزة، هرب مع جزء من عائلته زوجة وأطفاله الخمسة من جحيم الحرب الدائرة في سوريا متوجهاً إلى مصر ومن ثم قطاع غزة، قاطعاً الكيلو مترات تحت وابل الرصاص وقصف الدبابات. "أخشى على عائلتي التي بجانبي فكيف هو الحال بالباقية في سوريا"، يقول فياض لمراسل "[b][color=red]فلسطين الآن[/color][/b]"، فقد تزوج بعد نزوحه من غزة عقب حرب "67" عام "النكسة" للمرة الأولى بفلسطينية لينجب منها ثمانية أبناء قبل أن يعاود الكرة فيتزوج للمرة الثانية بسورية وينجب منها خمسة أبناء أخرين. وفي مفارقة عجيبة لا تزال زوجته الفلسطينية حبيسة الآلام في سوريا فيما صحبت فياض إلى غزة زوجته السورية، ليس لشيء إلا لأن الفلسطينية أولادها شباب ولها أحفاد ثمانية وعدم مقدرته اصطحابهم إلى بلده الأصلي، أما السورية لا يزل أبنائها في سن باكر ويسهل الخروج بهم، كما يفسر رب الأسرة. [title]شهر حزين[/title] ولا يزال فياض رغم وصولة القطاع منذ شهرين غير مطمئن وغير مستقر، فهو يعيش في مكان رديء لا يصلح للاستخدام الإنساني، حيث يعيش في غرفة من صفيح كانت معدة لإسطبل خيل لا تقيه وعائلته من البرد القارص، بالإضافة إلى افتقارها إلى المرافق الأساسية. فلم يتوقع فياض أن يستقر به المقام يوماً في هذا المكان البدائي، فقد تخرج من كلية الهندسة عام 1970 تخصص ميكانيكا قبل أن يلتحق بكليات الدراسات العليا ليختتمها بامتياز، فقد توقع أن يجد الحنان في قطاع غزة بعد أن فقده وعائلته في العاصمة السورية دمشق. فعندما استقر به المقام تحت سقف من صفيح مليء بالثقوب لا يحبس قطرات المطر من دخول حجرته، ينظر فياض إلى زوجته الجالسة بجانبه وهي تحضن الابنة الصغرى عامان، وعيناه تتساءلان: "أخشى أنني ورطتكم وورطت نفسي في تجربة لا طاقة لنا بها"؟. فالقصص التي رواها اللاجئون السوريون لفياض، والشائعات التي سمعها من المعسكرات القذرة في الأردن ولبنان وتركيا لم يتوقع أن تلازمه في مسقط رأسه حيث الآهات والآلام، فنجاته ببدنه من قصف الطائرات وأزيز الرصاص والمدافع لم يكن النهاية، فوحشة المكان تبث الرعب في فرائصه، مما سبب له عديد الأمراض في زمن قصير. مراسل موقع "[color=red][b]فلسطين الآن[/b][/color]" رافق الستيني فياض إلى مجمع ناصر الطبي ليتعرف على وضعه الصحي بعدما أصابته وعكه صحيه أثناء اللقاء، فتبين بعد فحص متكرر من قبل الأطباء المتخصصين أن فياض يعاني من ضغط الدم، بالإضافة إلى بداية تعطل كليتاه بعد هذا الوضع المتردي. وبسبب عدم تمكن فياض من دفع روشته الدواء تقدم موقع "فلسطين الآن" بقليل من المال ليسد عنه الثمن، حيث أنه لا يستطيع السداد. ويعيد الأطباء تردي وضع فياض الصحي لزيادة توتره وخوفه وقلقه، وهذا ما أكده بنفسه، حيث وضعه الصعب وعدم تمكنه من التواصل مع بقية أسرته في سوريا، وعدم تمكنه من جلبهم للقطاع لينيء بهم عن الحرب الدائرة بالشام بسبب توقف الطرق المؤدية إلى المطار مما زاد عليه آلامه وضغطة النفسي. [title]إحصاءات وأرقام[/title] من جانبها أعلنت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أن أكثر من 700 ألف لاجئ سوري "ومن ضمنهم فلسطينيين" فروا إلى البلدان المجاورة لسورية. وقالت المتحدثة باسم المفوضية سيبيلا ويلكس"إن "أعداداً كبيرة من الأشخاص فروا من سوريا في الأسابيع الأخيرة"، وتابعت أن العدد الإجمالي للأشخاص المسجلين والذين ينتظرون تسجيلهم بلغ "703314" شخصاً. [title] سورية مشردة[/title] أما زوجته فتعود جدورها إلى منطقة الجولان السورية المحتل تزوجت من فياض الفلسطيني نهاية القرن الماضي وأنجبت منه خمسة أبناء، تقول لمراسل "فلسطين الآن" بعد عودته برفقة زوجها المريض من المشفى، إن حالنا بدأ يسوء منذ سنوات عندما منعت السلطات السورية زوجها من مزاولة عمله باعتباره دخيل. وبعد هذا الوضع المتراجع بدأ فياض يعمل في التجارة الحرة ليكفي عائلته لقمة عيشٍ كريمة، حتى اشتعال الثورة السورية وازداد لهيبها لتتقطع بهم السبل. وقاطع فياض زوجته ليؤكد أن عائلته كانت تنام ليالي متعددة بلا طعام ولا شراب لأن النظام كان يقطع عن حيهم، أسوة بالأحياء المجاورة، كل مقومات الحياة عوضاً عن مقومات الصمود وعدم تمكنهم من رأيت الأهل والخلان رغم أن مكان سكناهم لا يبعد عن بقية أقربائهم كثيراً. وتتابع زوجته كلامها بعدما عاودنا سؤالها عن نفسيتها عند دخول غزة، فتقول: "عند وصولنا أرض فلسطين البلد الذي كنا نطوق لرأيته منذ سنين تقطعت بنا السبل وأصبحنا جامعي صدقات مشردين بلا منزل يضمنا، فأين أهل الخير في قطاعنا الحبيب". وتناشد عائلة فياض الحكومة الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنية ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن يتقدموا لهم بمساعدةٍ إنسانية وأن يوفروا لهم العيش الكريم لتكفيهم سؤال الناس، مطالبين المعنيين التدخل لإنقاذ الفلسطينيين من وحل الحرب السورية الداخلية، مطالبين من رؤساء القرار العمل الجاد في جلب باقي أسرتهم العالقة في سوريا. ولم ينسَ موقع "فلسطين الآن" في نهاية اللقاء أن يقدم لأطفال عليان فياض هديته المتواضعة، وتركهم يصارعون البرد والحرمان والوجع والضياع في انتظار من يقدم لهم يد العون، فهل من مذكر "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد".
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.