كل منا يمر بتجارب شخصية حياتية ناجحة أو فاشلة، وهي في الحقيقة قد لا تعني الفشل، فهي خبرة، ولكن نتائجها لا تتوافق مع أحلامنا وتطلعاتنا وما يتطلبه الواقع من احتياجات متعددة.
ويحرص الآباء والأمهات على رسم صورة مثالية أمام أبنائهم، وأنهم لم يخطئوا، وأنهم مميزون، وأحيانا يكون ذلك بعيدا عن الحقيقة والواقع.
فهل يتعمد الآباء إخفاء أخطاء أو تجارب حياتية فاشلة عن أبنائهم أم يشاركونهم الحديث عنها "حتى وإن كانت محرجة أو قاسية"؟
الجزيرة نت حاورت مربين للحديث عن أهمية هذه التجارب.
رواية التجارب أمام الأبناء تكشف لهم أن الإنسان قد يخطئ أحيانا لكن عليه أن يتعلم من أخطائه (بيكسيلز)
ترى الموظفة ريم سليم (48 عاما) أنه يجب الاستفادة من أي خبرة أو محطة تعثر فيها الآباء، والحديث عنها بطريقة توجه الأبناء لحسن اختيار طريق تجاربهم المعيشة.
وتقول "لا يجوز أن نستخف بما مررنا به من تحديات، لأنها تقاطعات لعوامل كثيرة تسببت في التوقف عندها، مثل تلبية رغبات الآخرين وعدم امتلاك النضج الكافي، وسرعة التغير من حولنا ومواكبة المستجدات".
ويشاركها الرأي الخمسيني أبو علاء بقوله "الصدق والوضوح والصراحة في سرد أي خبرة تعين الأبناء على الاقتراب من ذويهم، والتواصل معهم والاستفادة من تجربتهم، إذا طرحت من دون سلطوية، لعدم وجود مسار محدد للحياة والنجاح فيها".
ويعتقد أبو علاء أن من الممكن طرح التجارب بوصفها مثالا لاتخاذ العبرة، لا أن تكون بصمة للاستخفاف بها، لشدة تأثر الأبناء بما يفعله الآباء؛ فالأب الذي يتحدث عن إخفاقه في الرياضيات يغرس في ذهن ابنه أنها صعبة.
ويتابع أنه يجب عليه بيان أنه يسهل عليه دراسة كل المواد، ولكن تقبله لهذه المادة غير ميسر قد يعود لعوامل كثيرة بين المدرسة والبيت أو لقدرات خاصة لديه، فالفروق الفردية تختلف من شخص إلى آخر.
يعبر بشير نصر الله عن رأيه بالقول "إن سرد أي تجربة بطريقة تتناسب مع مرحل النمو لدى الأبناء وفي وقت مناسب يساعدهم على الاعتبار من التجربة والتفكر في أسباب الإخفاق والتحديات التي واجهها".
ويذكر أن ما أخفق فيه ينجح به آخرون وهذا ليس عيبا، ومن الممكن أن يعيد النظر في مسيرته حتى ولو بعد حين، وهو محظوظ أنه جرب الحياة في هذا الجانب الذي صقله، واعتبر منه.
ويبين أنه طريق يحتاج إلى مثابرة، وتحد وله عوامل خاصة به، ولا بد من البحث عنها للمضي قدما؛ فالصراحة في الوقت المناسب مفتاح للنور المبين، وعدم النظر من فتحة الباب بخوف وتلصص على طرق النجاح، وفق تعبيره.
ويضيف نصر الله أن "التحديات ما هي إلا جزء لا يتجزأ من تشكل فكر الإنسان وثقافته المستقبلية، فمن دون خجل وبفخر نتشارك إرثنا الحياتي مع أبنائنا، وسنحصل على نتائج مفرحة تسهم في تسيير دفة حياتهم بإذن الله".
إظهار صورتنا أمام أولادنا بشكل إنساني هو أمر صحيح جدا وواقعي (بيكسابي)
حول مشاركة الأبناء تجارب الآباء الناجحة والفاشلة يقول استشاري الطب النفسي الدكتور أشرف الصالحي "إنها خطوة تربوية مهمة جدا في علم النفس، فالأولاد يتعلمون ويكتسبون المعارف بعدة طرق ومدارس؛ أولاها مدرسة التعلم بالاشتراطية -ورائدها العالم الروسي الشهير بافلوف- وثانيها مدرسة التعلم الإجرائي -ورائدها العالم الأميركي سكنر- وثالثها مدرسة التعلم بالمشاهدة والإدراك الاجتماعي -ورائدها العالم الكندي ألبرت باندورا.
ويضيف "عندما يتشارك الأهالي خبراتهم وتجاربهم، فإنهم يقومون بشكل فعال وعملي جدا، بتعليم أطفالهم الإيجابيات والسلبيات من الخبرات التي مر بها الوالدان. وهنا ينبغي الانتباه إلى مناقشة التجارب الخاطئة، وليس فقط ذكرها وروايتها".
الصالحي: يجب التركيز على ترتيب القصة بهدف تربوي وعدم ذكر تفاصيل غير مهمة (الجزيرة)
يذكر الاستشاري الصالحي خطوات مناقشة التجارب، وهي:(الاعتراف، والرواية، والمناقشة، والدروس المستفادة.
في البداية، على الأهل الاعتراف بأنهم اخطؤوا، وأن ما سيقولونه لأولادهم هو أمر ليسوا فخورين به، بل تجربة مروا فيها عندما كان عمرهم العقلي أقل من اليوم وقراراتهم غير ناضجة.
يقوم الأهل بسرد قصتهم، مع التركيز على ترتيب القصة بهدف تربوي وعدم ذكر تفاصيل غير مهمة أو تحيد عن المعنى المقصود بالتعلم.
يسمح الوالدان للأولاد بنقاش هذه الرواية والاستماع لرأيهم، وكيف كانوا سيتصرفون لو حصل معهم مثل هذه القصة.
يتم وضع الدروس المستفادة والتي لأجلها تمت مشاركة التجربة المؤلمة مع الأولاد.
يقول الصالحي "علينا ألا ننسى أن إظهار صورتنا أمام أولادنا بشكل إنساني أمر صحيح جدا، وواقعي، ويصحح الاعتقاد الخاطئ عندهم أن والديهم "منزهان" عن الأخطاء، بل وتسمح هذه الطريقة للأولاد بأن يكتشفوا الحياة وألا يخافوا من الفشل، وتعلمهم أن الإنسان قد يخطئ أحيانا، وهذا أمر ليس بيده، ولكن عليه أن يتعلم من أخطائه".