يقال إن النساء لو حكمن العالم لما وجدت الحروب، أو لكانت أقل عنفا ودموية بكثير مما هي عليه الآن تحت حكم الرجال، لكن ماذا عن العالم الآخر، العالم الافتراضي، ماذا لو أدارت النساء شبكة الإنترنت؟
هل ستكون شبكة أكثر اجتماعية ودفئا وعطفا مما هي عليه الآن؟ وهل كنا سنشاهد استغلالا أقل وأمنا أكثر؟ وهل ستكون تجربتنا نحن المستخدمين على الإنترنت مختلفة تماما من دون رجال مسؤولين؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة علينا أن نفهم الوضع الحالي، والسيطرة شبه الكاملة التي يمتلكها الرجال على الشبكة الدولية خصوصا والثورة الرقمية على وجه العموم، ثم نعود قليلا إلى الماضي لنفهم بدايات شبكة الإنترنت ومن كان خلفها، وكيف وجدت.
الرجال يصلون إلى الإنترنت بنسبة 33.5% أكثر مقارنة بالنساء (شترستوك)
حسب صحيفة "الغارديان" (Guardian) البريطانية، فإن الإنترنت شبكة ذكورية، إذ يصل الرجال إلى الإنترنت بنسبة 33.5% أكثر مقارنة بالنساء، وذلك وفقًا لـ"مؤشر الإنترنت الشامل" (Inclusive Internet Index)، وهو مسح شمل 86 دولة تضم 91% من سكان العالم كما ذكرت الصحيفة.
وفي بعض المناطق الحضرية الفقيرة، يفوق عدد الرجال عدد النساء على الإنترنت بنسبة تبلغ اثنين إلى واحد، كما ذكرت منصة "ويب فاونديشن" (web foundation) أخيرا.
هذا من ناحية الوصول والاستخدام، أما من ناحية الدراسة والتخصص فوفقا للاتحاد الدولي للاتصالات، فإن 30% فقط من المتخصصين في علوم التكنولوجيا على مستوى العالم هم من النساء. وحسب دراسة أعدّتها مؤسسة "ديلويت غلوبال" (Deloitte Global)، فإن 23% فقط من النساء يعملن في قطاع تكنولوجيا المعلومات والحوسبة في الولايات المتحدة الأميركية.
وتبلغ نسبة الخريجات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات "إس تي إي إم" (STEM) نحو 19% فقط، كما تترك النساء صناعة التكنولوجيا بمعدل 45% أعلى من الرجال، حسب منصة "داتا بورت" (dataport).
أما من ناحية التوظيف، وإذا أخذنا شركات التكنولوجيا الكبرى في العالم على سبيل المثال فإن عدم المساواة تبدو واضحة تماما؛ ففي شركة "فيسبوك" (Facebook) مثلا نجد أن 77% من الموظفين من الرجال، ولا يختلف الحال في شركة "آبل" (Apple) حيث تبلغ نسبة النساء العاملات 30% فقط، حسب التقرير السابق.
لحظة تاريخية دشنتها فتاة جامعية
هذا عن واقع الحال، ونعود إلى الماضي قليلا، إلى البدايات الأولى لشبكة الإنترنت، وتحديدا إلى ليلة 29 أكتوبر/تشرين الأول 1969 حين جلست الطالبة تشارلي كلاين البالغة من العمر 21 عاما منحنية أمام شاشة الحاسوب في غرفة من دون نوافذ بجدران بلون الفستق في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس الأميركية، في الوقت الذي كان يقف إلى جانبها أستاذها ليونارد كلاينروك مشرف علوم الحاسوب في الجامعة. كتبت كلاين كلمة واحدة فقط، وبعد لحظات، وعلى شاشة تبعد نحو 350 ميلا (560 كم) في جامعة ستانفورد، ظهرت رسالة كلاين المكونة من كلمة واحدة هي "لو" (Lo).
كانت بداية متقطعة فقد تعطل النظام قبل أن تستطيع كلاين تسجيل الدخول، ولكن العملية تمت وذهبت الرسالة، وقد ولّد هذا بهجة غامرة لدى كلا الجانبين في الجامعتين، فقد كانت هذه المرة الأولى التي يتواصل فيها جهازا حاسوب معا بشكل افتراضي، وشهد الجميع لحظة تاريخية بكل معنى الكلمة؛ هي لحظة ولادة شبكة الإنترنت.
في ذلك الوقت أطلق على هذه الشبكة الجديدة اسم "أربانت" (Arpanet) وهو نظام اتصالات ابتكرته وزارة الدفاع الأميركية للسماح بمشاركة المعلومات بين أجهزة الحاسوب على الشبكة. وبعد نحو 50 عاما، نضجت شبكة الإنترنت من مرحلة الطفولة العسكرية التجريبية التي تتكون من 4 أجهزة كمبيوتر فقط إلى مرحلة البلوغ المدني والتجاري الذي يشكل فضاء إلكترونيا عالميا شاسعا..
نشاء تقنية تتيح لك قراءة هذه الكلمات على شاشتك اليوم، شارك آلاف من الأشخاص في العالم في هذه العملية، وكان العديد منهم من النساء، بمن في ذلك راضية بيرلمان الملقبة بـ"أم الإنترنت" وهي مهندسة وعالمة رياضيات أميركية كان لاختراعها للخوارزمية الكامنة وراء الإنترنت التي تعرف باسم "بروتوكول الشجرة الممتدة" (Spanning-Tree Protocol STP) دور أساسي في جعل الإنترنت الذي نعرفه اليوم أمرا ممكنا، وكارين سبارك جونز عالمة الحاسوب البريطانية التي يدعم عملها معظم محركات البحث، ومواطنتها صوفي ويلسون التي أسهمت بدور أساسي في تصميم المعالجات الدقيقة الموجودة في أكثر من نصف الأجهزة الإلكترونية في العالم اليوم.