تسببت الحرب الروسية على أوكرانيا، التي بدأت في 24 شباط/ فبراير الماضي، بفرض أعباء ضخمة على الاقتصاد العالميّ، الذي يعاني أصلا من أزمة بموارد الطاقة وارتفاع كبير بالأسعار.
عند مراقبة الوضع الحاليّ من منظور أوروبي، نرى أن الأنظار في القارة اتجهت مجددا نحو تنويع مصادر الطاقة، خاصة مصادر الغاز في الشرق الأوسط وشرق المتوسط.
ومنذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية وحتى اليوم، تدور نقاشات حول الدور الذي يمكن أن يؤديه غاز شرق المتوسط في مجال أمن الطاقة في أوروبا، وحول البدائل الممكنة التي يمكن أن تتجه إليها أوروبا.
غاز شرق المتوسط.. مكمن العقدة والحلّ
يرى خبراء أن غاز شرق المتوسط يحظى بمكانة خاصة ضمن خطة الاتحاد الأوروبي، لتأمين مصادر بديلة للحصول على ثلث كمية الغاز الطبيعي المستورد من روسيا.
ومن الملفت للنظر توجيه كلّ صادرات مصر من الغاز المُسال خلال الأشهر الأولى من العام الجاري إلى السوق الأوروبية، علما أن الطاقة الإنتاجية لمحطات الغاز المُسال في مصر، تبلغ 19 مليار متر مكعّب سنويا، حال عملت بطاقتها الكاملة.
للوصول إلى هذه الطاقة الإنتاجية، هناك حاجة لـ"الغاز الإسرائيلي"، الأمر الذي يعدّ من أسباب اتجاه الأنظار إلى مشروع خطّ أنابيب الغاز الطبيعيّ بين تركيا و"إسرائيل"؛ لأن اتفاقية الغاز القائمة حاليا بين الاتحاد الأوروبي ومصر و"إسرائيل"، لا تقدم حلا دائما طويل الأجل.
ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى توقيع اتفاقيات جانبية (أو ثنائية) صغيرة مع قطر ونيجيريا والولايات المتحدة، للحصول على الغاز المُسال، الذي يقدّم حلا مؤقتا للأزمة الحالية، إلا أنه يظلّ بديلا مرتفع التكلفة.
فعلى أوروبا البحث عن مصدر للغاز الطبيعي يكون أرخص وأكثر استقرارا، أي إنه يتعين عليها الحصول على مزيد من خطوط أنابيب الغاز الطبيعي إذا ما أرادت حلا دائما طويل الأمد.
ممرات الغاز الطبيعي الجديدة بالشرق الأوسط
في آذار/ مارس الماضي، بدأت "إسرائيل" تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر من خلال مسار جديد عبر الأردن.
وقالت شركة "راتيو" الإسرائيلية للطاقة؛ إن المسار الجديد عبر الأردن ساعد في تصدير كميات إضافية تقدر بـ 1,8 مليار متر مكعب من حقل ليفياثان.
وفي الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، حققت "إسرائيل" رقما قياسيا في صادرات الغاز، وصل إلى 2,7 مليار متر مكعب.
كما تواصل مصر خططها لتصبح مركزا إقليميا للغاز بمحطتي تسييل الغاز الموجودتين بها.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى شركة "إيني" الإيطالية لتعزيز وجودها في مصر؛ من أجل زيادة صادرات الغاز إلى أوروبا.
أما اليونان، فأطلقت مشروعا لبناء محطة عائمة لتخزين الغاز المسال وتحويله.
ومن المخطط أن تبدأ المحطة اليونانية العمل نهاية العام الجاري، أو في بدايات 2023، وستبدأ العمل بكميات الغاز المسال القادمة من قطر والولايات المتحدة.
ووفقا لبيانات الوكالة الدولية للطاقة، فإن الولايات المتحدة صدرت 74 بالمئة من صادرات الغاز المسال، خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، إلى أوروبا.
يستورد الاتحاد الأوروبي 155 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا سنويا، وتشكل هذه الكمية 45 بالمئة من واردات الغاز، و40 بالمئة من الغاز المستهلك في أوروبا، وتتم 80 بالمئة من الواردات عبر خطوط الأنابيب.
وهناك خطط لرفع كمية واردات الغاز القادمة من الجزائر إلى أوروبا عبر خطوط أنابيب "ترانسميد" (عبر إيطاليا) إلى 32 مليار متر مكعب سنويا (21 مليار متر مكعب في 2021)، وخط أنابيب "ميدغاز" (عبر إسبانيا) إلى 10 مليار متر مكعب سنويا (من 8 مليار متر مكعب).
وتقوم إسبانيا وإيطاليا بتسييل 65 بالمئة من كميات الغاز المستوردة من الجزائر، لذلك فإن الغاز الطبيعي المسال سيكون بديلا لخطوط الأنابيب.
إلا أن المشكلة تكمن في الحاجة إلى بنية تحتية لنقل الغاز المسال وإعادة تحويله، والحاجة إلى زيادة سعة منشآت التخزين الموجودة.
دور تركيا
من الواضح جدا أن أوروبا بحاجة إلى بدائل كثيرة قدر الإمكان للغاز الروسي على المدى القريب والبعيد.
ومع إمكانية وجود بعض البدائل في بحر الشمال، والنرويج، وشمال أفريقيا، والشرق الأوسط، والقوقاز، والولايات المتحدة، تظل هناك عدة عوائق تُصعّب الحصول عليها، مثل البنية التحتية اللازمة، وعامل التوقيت.
ومما يجعل تركيا دولة ذات أهمية وقيمة كبيرة بموقعها الجغرافي المتميز، ضمان أمن مصادر الغاز.
ووضعت العديد من الخطط الجادة في الماضي لنقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا، إلا أن عددا ضئيلا من هذه الخطط تم تنفيذه.
وتربط تركيا قارة أوروبا بالدول الغنية بالغاز مثل أذربيجان وتركمانستان وإيران والعراق.
وستوصل تركيا مصادر الغاز في بحر قزوين إلى قارة أوروبا مباشرة، دون إشراك روسيا عبر خطوط أنابيب ممر الغاز الجنوبي، الذي يهدف لتعزيز وتنويع مصادر الطاقة في أوروبا.
كما أن خط أنابيب الغاز العابر للأناضول "تاناب" وخط أنابيب الغاز العابر للبحر الأدرياتيكي "تاب" (ينقلان غاز أذربيجان)، لهما أهمية كبيرة جدا بالنسبة لتركيا، إلا أن التعاون في هذين الخطين لا يزال دون المستوى المطلوب.
منذ اكتشاف حقوق الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، والمنطقة يشار إليها باعتبارها بديلا للغاز الروسي بالنسبة لأمن الطاقة في أوروبا.
ويمكن لتركيا بحكم موقعها الجغرافي أداء دور مهم في نقل هذا الغاز إلى الأسواق الأوروبية.
وبالطبع، هناك بعض الصعوبات السياسية والمالية وعقبات خاصة بالبنية التحتية يجب التغلب عليها لتحقيق ذلك، ولكن يظل هناك احتمال كبير بأن تصبح تركيا الدولة المحورية في نقل الغاز إلى أوروبا خلال مساعيها لإيجاد بديل للغاز الروسي.
كيف تخترق روسيا العقوبات على تصدير النفط؟
فرضت الدول الأوروبية حظرا رسميا على البترول الروسي، إلا أن بعض المصادر الاستخباراتية تفيد أن البترول الروسي يتم نقله إلى أوروبا عن طريق نقله من سفينة إلى أخرى في المياه الإقليمية لليونان ومالطا وروسيا.
ووفقا لبيانات الوكالة الدولية للطاقة، فإنه بالرغم من توقف إمدادات البترول الروسي لأوروبا رسميا، فإن 3,4 مليون برميل نفط يوميا، أي 43 بالمئة من صادرات البترول الروسي، ذهبت إلى معامل تكرير النفط في أوروبا.