رغم الترحيب الإسرائيلي باستئناف العلاقات مع تركيا بشكل كامل، بما فيها تبادل السفراء، وعودة الرحلات الجوية، لكن أوساطا دبلوماسية وسياسية في تل أبيب، حذرت أن هذا الترحيب سابق لأوانه، ومبالغ فيه، لأن تطبيع العلاقات مع أنقرة قد لا يستمر طويلا، في ظل استمرار الشكوك المتبادلة، وحاجة الطرفين الآنية للمصالحة، وليس لأنها تحول إلى حليفين يثقان أحدهما بالآخر، خاصة مع استمرار التحديات التي تواجههما.
غاليا ليندنشتراوس ورامي دانيال الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، ذكرا أن "إعلانا عن عودة السفراء إلى تركيا وإسرائيل، منح ختما نهائيا لعملية تجديد العلاقات الجارية بينهما، مع العلم أنه في عام 2016، تم بالفعل توقيع اتفاقية تطبيع بينهما لمحاولة التغلب على التداعيات التي خلفتها حادثة مرمرة، لكنها انهارت في عام 2018، ولكن على عكس التحركات السابقة في العلاقات بينهما، فقد جاءت المبادرة هذه المرة من تركيا".
وأضافا في مقال مشترك نشرته القناة 12، أن "تركيا هي التي بدأت خطوات التطبيع، وأظهرت دافعا كبيرا للترويج له، وبالنسبة للإسرائيليين، فإن استذكارهم للتوتر مع الرئيس أردوغان وتصريحاته العدائية العديدة ضدهم، خففت من حماسهم، بل وأثارت الشكوك لديهم في دوافعه اليوم، وجعلتهم يتباطؤون في إحراز تقدم حذر تجاه أنقرة، مما يطرح التساؤلات عن سبب موافقة إسرائيل على التطبيع مع تركيا، التي أظهرت جملة من بوادر حسن النية تجاه تل أبيب".
وأشارا إلى أن "الفترة الماضية شهدت النجاح ببناء علاقة بينهما تمكن من الحوار الثنائي حتى في أوقات الأزمات، ومما ساعد في ذلك التعاون بين أجهزتهما الأمنية ضد محاولات إيران اغتيال السياح الإسرائيليين في تركيا، مما زاد من تعميق العلاقة الأمنية بينهما، الأمر الذي سرّع في تجديد العلاقات، وتعزيزها، والموافقة على طلب أنقرة لتعزيز العلاقات الرسمية بينهما، بما فيها تمكين شركات الطيران الإسرائيلية من السفر إلى أنقرة للمرة الأولى منذ 2009".
رغم ما تقدم من سرد لتطور العلاقات الثنائية بين أنقرة وتل أبيب، لكن الجانبين لا يخفيان جملة من التحديات الإقليمية التي تواجههما، وقد تعترض طريق تطبيع علاقاتهما بصورة كاملة، خاصة أن هذا التقارب يتزامن مع وجود وفد تركي حاليا في واشنطن لإجراء مناقشات بشأن شراء الطائرة المقاتلة من طراز إف16، صحيح أن الإدارة الأمريكية تدعم الصفقة، لكن هناك معارضة واسعة في الكونغرس بسبب التقارب بين تركيا وروسيا في السنوات الأخيرة، فضلا عن سلوك تركيا الحازم في شرق البحر المتوسط، وتتوقع تركيا أن يتوقف اللوبي المؤيد لإسرائيل عن التعاون مع اللوبي اليوناني في هذا السياق.
تحدّ آخر تواجهه تل أبيب وأنقرة، يتمثل في أن الأخيرة هي أحد الشركاء التجاريين المهمين لإسرائيل، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري ثماني مليارات دولار، مما يطرح السؤال حول ما إذا كان هناك تقدم في مسألة تصدير الغاز من إسرائيل إلى تركيا، مما قد يستدعي الحاجة لتحديث اتفاقية التجارة الحرة بينهما الموقعة في 1996، وتشكل أساس العلاقات التجارية الثنائية؛ لأنها لم تعد متوافقة مع بعض الاحتياجات الاقتصادية الحالية.
تحدّ ثالث قد يساهم في كبح جماح هذا التقارب في العلاقات، يتمثل في أي تدهور عسكري بين الاحتلال والفلسطينيين، الذي قد يتسبب في عودة تبادل الاتهامات بين أنقرة وتل أبيب، وهو ما شهدته العدوانات الإسرائيلية على غزة بين عامي 2008-2021، وحينها قد تعود الأمور إلى سابق عهدها من التوتر.
تحدّ رابع يتمثل في أن تؤدي الانتخابات الإسرائيلية في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، والانتخابات التركية في حزيران/يونيو 2023، إلى إعطاء الطرفين الأولوية للاعتبارات الداخلية على الاعتبارات الخارجية بطريقة تضر بالعلاقات، فضلا عن إمكانية عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة في تل أبيب، وهو الذي شكل خصما عنيدا لأردوغان، الأمر الذي قد يستدعي من الجانبين الاستعداد لسيناريوهات العودة إلى الوراء.