نشر موقع "مودرن دبلوماسي" مقالا للخبيرة في شؤون الصين، ناديا حلمي، حمل عنوان "مستقبل الديون المصرية المستحقة للصين"، والذي حللت فيه الديون الصينية وآليات الإقراض لمصر ولغيرها من البلدان الأفريقية.
كثر الكلام واللغط مؤخراً حول استبدال القروض التي تدين بها مصر للصين، وتصل إلى 8 مليارات دولار، بممتلكات مصرية استراتيجية تتراوح ما بين الموانئ والمطارات. قد لا يكون ذلك مفهوماً بشكل جيد لدى بعض الناس، ولقد حاولت بوصفي خبيرة في الشؤون الصينية تحليل الديون الصينية وآليات الإقراض لمصر ولغيرها من البلدان الأفريقية، سعياً لفهم وجهة النظر الصينية بهذا الشأن، وذلك على النحو التالي:
لا يوجد دليل يؤيد المخاوف من أن الصين تستخدم ديونها للتحكم بالممتلكات الاستراتيجية للبلدان المدينة لها. ولكن من جهة أخرى، سجلت الصين مشاركتها المباشرة في امتلاك المشاريع من خلال حيازة نصيب في أسهمها.
لقد مولت الصين مشاريع في أرجاء القارة الأفريقية، بما في ذلك مصر، بفائدة تكاد تقترب من الصفر، مع فترات سماح تصل إلى خمس سنين. كما أدارت استخدام مزيج من المنح والقروض، يمكن لفترات السداد لها أن تصل إلى مدد تتراوح ما بين 15 و30 سنة.
نجد أن أبرز المواد والشروط المتضمنة في عقود القروض الصينية، ضمن مشاريع المساعدات الأجنبية، ممثلة في العبارة التالية:
"إذا وجدت أي صعوبة في سداد الدين في الوقت المحدد، يمكن تمديد فترة السداد بعد تشاور مع الحكومة الصينية".
نلاحظ وجود استخدام مكثف لعبارة "التنازل عن حصانة السيادة" في عقود عدد من القروض الممنوحة لبلدان مثل نيجيريا وكينيا.
نجد هنا أن الفقرة الخاصة بالتنازل الذي تطلبه الصين بشأن "حصانة السيادة" يسمح بمقاضاة البلد المستقل ذي السيادة في المحاكم الأجنبية، أو بأن يخضع للتحكيم الدولي.
لدى مراجعة العديد من عقود القروض الصينية، نجد أن معظمها يشتمل على لغة تخص التنازل عن الحصانة السيادية فيما يتعلق بالتحكيم والإنفاذ.
في نفس الوقت، لم يوجد ما يعرف بأي "استيلاء على الممتلكات السيادية" من قبل الصين، نتيجة للعجز عن السداد، سواء في أفريقيا أو حول العالم.
نجد تبرير الصين للجوء إلى تضمين فقرة "السيادة"، باعتبار ذلك ممارسة شائعة في كثير من الاتفاقيات التجارية الدولية، وبناء عليه تؤكد الصين أن الانتقاد الموجه لهذه الفقرة تحديداً في العديد من البلدان إنما كان نابعاً من الرغبة في خدمة بعض الأجندات السياسية المحلية، خاصة أن هذه المفاهيم في تمويل المشاريع الدولية الصينية، وبحسب القانون التجاري، هي مفاهيم فنية تماماً وتستخدم بشكل روتيني.
وبناء عليه، فإن ديون كثير من البلدان المستحقة للصين بشكل خاص، وباعتبار الأزمات الاقتصادية في معظم البلدان، وخاصة بعد تفشي جائحة كورونا، خضعت لعمليات إعادة جدولة كانت في بعض الأوقات تبلغ عشرات المرات.
أبرز النقاط بالنسبة لي ههنا هي أن الصين كشريك أو كمستثمر تجاري ليست وحدها متهمة برهن الموجودات، أي موجودات بلدان تعجز عن سداد القروض. نجد أنه في المؤسسات المالية والنقدية الدولية، وضمن برامج إعادة الهيكلة، تحت إشراف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قام عدد من الحكومات الأفريقية بخصخصة مؤسساتها المملوكة للدولة. وبناء عليه، فقد منحت موافقتها لاستبدال القروض الصينية بأسهم في المؤسسات الرسمية.
بالإضافة إلى ذلك، كانت معظم الديون الصينية تخضع تقريباً لنفس الشروط، وذلك إلى أن تولى "إكزيم بانك" الصيني إدارة دين الدولة الصينية. ثم ما لبث "بنك الصادرات والواردات الصيني" أن اتبع الأعراف الدولية بتضمين فقرات غرامات ضخمة، بما في ذلك 20 إلى 50 بالمئة كفائدة تفرض على الدفعات المتأخرة. إلا أن هذه الشروط اختفت في العقود التالية، ووجد أن تلك الشروط لم تطبق على الإطلاق.
أطلقت الصين برنامجاً لإعادة برمجة الدين، وكان ذلك أول تعهد من قبل بيجينغ بإلغاء الديون في القارة الأفريقية. ثم أصدرت الحكومة الصينية برنامجاً لإلغاء الديون، وذلك بسبب انهيار أسعار السلع، ما كان له بالغ الأثر على فشل كثير من البلدان، خاصة الأفريقية منها.
لقد وجدنا أنه ما بين 2017 و2021، كان لدى الصين توجه متسارع نحو زيادة حجم الإقراض، وذلك بسبب عودة الأسعار المرتفعة للبضائع التي تنتجها كثير من البلدان الأفريقية بشكل خاص.
ولكن ما بعد 2019، بدأت تتغير إجراءات "العجز عن السداد"، ولم تعد قضية إعادة الهيكلة التجارية الأداة الأساسية المستخدمة من قبل بيجينغ للضغط من أجل الحصول على دفعات السداد حينما تكون الدولة المدينة معسرة، بل ثمة توجه نحو وقف الإنفاق على المشاريع التي يجري تنفيذها، الأمر الذي يتسبب في تباطؤ إنجازها. إلا أن ذلك يتسبب بطبيعة الحال بإلحاق أضرار كبيرة بالمقاولين الصينيين.
بالإضافة إلى هذه الإجراءات الصينية الجديدة لإعادة جدولة القروض والديون، ثمة منظومة من الآليات التي تنص على أن "الصين لا تمنح قروضاً جديدة إلى أن يتم سداد جزء من القروض القديمة إلى الدولة الدائنة." إذا كانت لتلك المشاريع القدرة على توليد الإيرادات، فسوف يستمر التمويل الصيني، كما حدث في مشروع السكة الحديد في أديس أبابا، العاصمة الإثيوبية.
وفيما يتعلق بالتعامل مع الإعسار في مشاريع البنية التحتية التي تنفذها الصين في بعض البلدان، كما هو الحال في الكونغو الأفريقية، تم جلب ائتلاف من الشركات الفرنسية الصينية، وهذا التجمع يمتلك أسهماً في المشروع، الذي يستمر لمدة لا تقل عن ثلاثين سنة.
نجد توسعاً في اقتراض مصر وجميع البلدان الأفريقية من الصين، حيث اقترضت بلدان القرن الأفريقي في شرق أفريقيا ما يقرب من 29 مليار دولار من الصين لتنفيذ مشاريع في البنية التحتية والطاقة والإنشاءات.
ومؤخراً وجدنا أن بيجينغ عمدت إلى تكثيف جهودها للحصول على عقود إيجار لإدارة بعض الممتلكات الاستراتيجية في بلدان عجزت عن سداد ما عليها من دفعات الديون، مثلما حدث في "ميناء همبانتوتا" في سريلانكا، والذي ستديره الصين لتسعة وتسعين عاماً، ومثلما حدث في "ميناء غوادار باكستان" وعقد إيجار يمتد لأربعة وأربعين عاماً.
من خلال التحليل السابق للباحث المصري، يمكننا رصد مدى معاناة الجانب المصري اقتصادياً، مثله في ذلك مثل كثير من الاقتصاديات حول العالم. لم تعد الحلول التقليدية التي تبنتها مصر خلال السنوات الماضية (من التوسع الكبير في الديون أو استخدام الحلفاء الخليجيين) تكفي للتعامل مع هذه الأزمة، والتي تفاقمت عالمياً بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وتحرك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة نحو رفع معدلات الفائدة، ما نجم عنه هروب الدولارات من البلد ومن العديد من البلدان حول العالم. في هذه الأثناء، فقط في هذا العام 2022، من المقرر أن تدفع مصر عشرات المليارات من الدولارات سداداً لديونها أو للفوائد المترتبة عليها.
ولذلك، وبناء على تقييمي للوضع القائم، فإن تقدير المخاطر الاقتصادية والأمنية التي قد تنجم عن الالتزام بتلك الشروط لإقراض الاقتصاد المصري، يتطلب درجة عالية من الحيطة والحذر، خاصة بما أن أحد التقديرات يشير إلى أن الدولار قد يرتفع إلى 25 جنيهاً، في حالة ما لو حصل تحرير كامل لأسعار تحويل العملات في مصر.