في الوقت الذي تواصل فيه دولة الاحتلال التوسع في مشاريعها الاستيطانية داخل مدينة القدس، ومحاولاتها المتواصلة لتهويد المسجد الأقصى، فإن الأمر وصل إلى المؤسسات التعليمية والمدارس الخاصة بالمقدسيين، من خلال إهمال بلدية الاحتلال ووزارة التعليم لها، ما أسفر عن تزايد أعداد التلاميذ المتسربين، ونقص الغرف الصفية، وشح الموارد المالية.
وقد أكدت جمعية "عير عميم" الحقوقية الإسرائيلية الخاصة بمتابعة سياسة سلطات الاحتلال في القدس المحتلة، أنها "تنتهك التزامها بتوفير الخدمات التعليمية في شرق القدس، وبدلاً من استكمالها بناء آلاف الفصول الدراسية المفقودة، ودعم عشرات آلاف الطلاب المتسربين، فإنه ينشغل الاحتلال بمراقبة الأفكار السياسية، والسعي وراء طمس الهوية الوطنية الفلسطينية من مناهج المدارس المقدسية".
وأضاف في تقرير نشره موقع محادثة محلية، أن "ضم الاحتلال لمدينة القدس اقتصر على الأرض وليس السكان، بدليل بقاء آلاف المقدسيين محرومين من الجنسية، واتباع سياسة تهدف للتشويه الجيو-سياسي، حيث تُحسب الأرض ولا يُحسب سكانها، حتى وصل وضع نظام التعليم إلى مرحلة مستحيلة، فهو من ناحية تحت تمويل وتشغيل وإشراف وزارة التعليم الإسرائيلية، لكنه من ناحية أخرى تدرّس فيه المناهج الفلسطينية، لكن الاحتلال عمد إلى تحويلها لتصبح مناهج إسرائيلية".
وأشار إلى أن "المدارس التي لا تستجيب لهذه الإجراءات الأيديولوجية الإسرائيلية تعاقب من خلال حرمانها من الميزانيات، مقابل تقديم حوافز مالية للمدارس المقدسية التي توافق على اعتماد المنهاج الدراسي الإسرائيلي، وبحلول 2017 تحولت 23 مدرسة من أصل 180 إلى المنهاج الإسرائيلي، حيث تلقت تمويلًا لرواتب المعلمين، واستشارات تربوية، وبرامج إثراء موسيقية وفنية، حيث درس 13,265 طالبا لهذا المنهاج بما يمثل 13% من جميع الطلاب المقدسيين في مختلف مراحل الدراسة".
وأكد أن "التوجه الإسرائيلي نحو التعليم المقدسي تطبيق عملي للإرث الصهيوني السائد ومفاده أن إسرائيل تريد أرض الفلسطينيين، لكنها لا تعترف بهم كمواطنين، وفي هذه الحالة يتعلم الطلاب المقدسيون مظاهر معاداة السامية في أوروبا، والهجرات اليهودية إلى فلسطين، ورموز الدولة اليهودية، أما المدارس المقدسية التي لم تعتمد المنهج الإسرائيلي فقد بقيت محرومة فعليًا من الميزانية، ونتيجة لذلك نشأت ظاهرة التلاميذ المتسربين بعدد 23 ألفا، وزيادة نسبتهم من 13٪ في 2017 إلى 29٪ في 2022".
بجانب تسرب التلاميذ، تحدث التقرير الإسرائيلي عن ما أسماها "الفجوة الصفية بعدد 2000 غرفة صفية مفقودة، لأن الدولة تشترط بناء غرف صفية إضافية إن التزمت المدرسة المحتاجة بالمنهاج الإسرائيلي، بزعم أن المنهاج الفلسطيني يحرض عليها، وهذا سبب إغلاق بعض المدارس الفلسطينية مؤخرا، وأداة ضغط على الاتحاد الأوروبي لتجميد مساعداته المالية المحولة للسلطة الفلسطينية".
لعل مقارنة سريعة بين المنهاجين التعليميين الإسرائيلي والفلسطيني السائدين في مدارس القدس المحتلة، تكشف عن حجم التحريض الإسرائيلي على الفلسطينيين، وظهور المستوطنات بأسماء عبرية فقط، مقابل اختفاء مدينتي رام الله وأريحا، وهو أسلوب احتلالي لتشويه الواقع الجغرافي في الخرائط المدرسية، وصولا لقيام الرقيب الإسرائيلي بمسح شعار دولة فلسطين من أغلفة الكتب الفلسطينية، ولم تذكر أن هناك كياناً وطنياً فلسطينياً.
الخلاصة أن دولة الاحتلال تدير بنفسها منهجًا قوميًا عنصرياً أحادي الجانب، وتسعى لفرضه على الطرف الذي تراه ضعيفا محتلا، لكن كل هذه الإجراءات الاحتلالية في مدارس القدس المحتلة لن تستطيع محو الرواية الفلسطينية، لأنها موجودة لتبقى عظمة في حلق الغطرسة الإسرائيلية، حتى لو أسفر عن خطواتها التعسفية زيادة أعداد التلاميذ المتسربين، ومعاناة المدارس من الاضطهاد المستمر والتهديد المتواصل بالإغلاق، وتصاعد الرقابة على الأفكار السياسية، لأن المقدسيين في النهاية لن يتخلوا عن هويتهم الوطنية.