الخطوة الأولى كانت التوسع في عدد المستوطنات، وتمددها فوق أرض الضفة الغربية، بحيث باتت تسيطر على مجمل الأرض، وكانت الخطوة الثانية زيادة عدد المستوطنين بشتى السبل، منها العقائدية بالحض على الإقامة في "أرض الأجداد"، ومنها المادية بإغراءات الحياة الرغيدة بلا تكلفة، وبذلك نجح المستوطنون الصهاينة خلال السنوات العشرين الماضية في تعزيز وجودهم، وفرض أنفسهم واقعاً قائماً على أرض الضفة الغربية، يضاهي الواقع الفلسطيني، ويتحداه، ولا يرى به منافساً.
الخطوة الثالثة ستكون السيطرة على المدن الفلسطينية، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال تشريد الفلسطينيين، أو ذبحهم في الطرقات، ومن خلال مجازر ومستنقعات دم، وعدوان متكرر، تماماً، كما حدث في فلسطين قبل نكبة 1948، حين اشتد عود المستوطنين، وقويت شوكتهم، فبدؤوا بشن عدوانهم على المدن الفلسطينية، بدؤوا مرحلة طرد السكان من عكا ويافا وحيفا وصفد وبئر السبع وعسقلان، الأمر الذي يبدو مستحيلاً من وجهة نظر بعض السياسيين في هذه الأيام، ولكنه يبدو منطقياً، ومألوفاً من قبل المخططين الصهاينة، وهم أصحاب تجربة وخبرة، ولهم باع طويل في احتلال مدن بشوارعها وعماراتها ومحلاتها، بعد طرد سكانها.
وكي تتحقق الخطوة الثالثة في بسط السيطرة الميدانية على مدن الضفة الغربية وقراها، بدأ المستوطنون الصهاينة يعدون أنفسهم للمعركة الفاصلة، وبتشجيع من القيادات الإسرائيلية التي تلعب الدور الذي لعبته الحكومة البريطانية قبل سنة 1948ـ وقد أعلنت في نهاية تموز من عام 2022 عن دعم حكومة الاحتلال الإسرائيلي لمشروع "ماجن" الذي يستهدف تجنيد المستوطنين في القدس المحتلة وتدريبهم على حمل السلاح، مع نشر مئات الكاميرات في الشوارع والبلدات الفلسطينية، لتعزيز القبضة الأمنية على المدينة.
قد تكون مدينة القدس هي البداية، ولكن الطموح يتعدى القدس ليصل إلى نابلس ورام الله والخليل وجنين وسلفيت، فالمشروع الإسرائيلي العدواني يقوم على تشكيل مجموعات مسلحة من المستوطنين، كفرق احتياط من عناصر يجري تدريبها لمساعدة الجيش والشرطة، ولنجاح المشروع، سيحصل المستوطنون الذين سيتطوّعون ضمن هذه الميليشيا على الأسلحة، مع برامج تدريب، واللافت أن هذا المشروع لم يأتِ كعمل تطوعي، بل تشرف عليه بلدية الاحتلال في القدس بالتعاون مع جمعية "يهودا الخالدة" ووزارة الأمن الداخلي وشرطة العدو الإسرائيلي.
هذا المشروع الصهيوني للسيطرة على أرض الضفة الغربية ليس جديداً، فهو جزء من المشروع الصهيوني الكبير، الذي ينادي بما تسمى "أرض (إسرائيل) الكبرى"، والذي يطالب بتهويد كل الأرض الفلسطينية، لذلك سيعمل العدو الإسرائيلي على تسليح المستوطنين ببنادق رشاشة بعيدة المدى، من طراز (إم 4) و(إم 16) وعدم الاكتفاء "بالمسدسات الخاصة"، كما يطالب بذلك المستوطنون، الذين ادعوا أن المسدسات الخاصة غير كافية لما سموه "الدفاع عن النفس".
ومفهوم ما يسمى "الدفاع عن النفس" عند الصهاينة يقوم على قتل الفلسطيني بلا ضجيج، والاستيلاء على أرضه وممتلكاته، ولا يتحقق ذلك إلا بعد تجريد الضفة الغربية من السلاحِ، فأي قطعة سلاح في يد شباب نابلس وجنين ستشكل قلعة للمقاومة، والمقاومة هي العائق المنيع في وجه المشروع الصهيوني، والمقاومة الفلسطينية ليست شعارات، إنها الفعل الميداني، وهي الطريق الوحيد لوأد المشروع الصهيوني، وإرباك مخططات العدو، لذلك تحرص مخابرات الاحتلال بكل قوتها على تصفية عرين الأسود، ومقاومة جنين، وبلاطة وجبع وسبسطية وغيرها من المدن الفلسطينية، وهذا ما يجب التنبه له، والاستعداد لمواجهته، كي لا يجد الشعب الفلسطيني نفسه لاجئاً خارج أرض فلسطين.